قراءة في تاريخ العلاقات الثنائية بين اليابان وتركيا

قراءة في تاريخ العلاقات الثنائية بين اليابان وتركيا
قراءة في تاريخ العلاقات الثنائية بين اليابان وتركيا

في شبكة العلاقات الدولية المعقدة بين دول العالم، قل ما نجد علاقات ثنائية ودبلوماسية كمثل التي نجدها بين اليابان وتركيا! إذ نشأت العلاقات الثنائية بين هاتين الدولتين على أساس تاريخي متين وتطورت فيما بعد إلى تعاون متعدد الأوجه، وقد صمدت أمام اختبار الزمن وأمام الأزمات والتحديات المختلفة. نتعمق بهذا المقال في تاريخ الصداقة بين اليابان وتركيا، ونستكشف مدى التعاون بين البلدين في مختلف القطاعات، مع تقييم حالة الاستقرار الحالية.

يمكن تتبع العلاقات التاريخية بين اليابان وتركيا إلى حقبة طريق الحرير الشهير الذي كان يربط بين الشرق والغرب عبر التجارة وتبادل البضائع. ولكن العلاقات الحقيقية لم تصل إلى المستوى الدبلوماسي بين البلدين إلا في القرن الـ19 الميلادي إبان حكم الدولة العثمانية.

وبعيد انهيار الدولة العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية، بدأت العلاقات الدبلوماسية مجدداً بين البلدين خلال 1924 ميلادية.

ولعل السبب الذي دفع اليابان لتطوير علاقتها بتركيا أو الدولة العثمانية في حينها، هو رغبتها آنذاك في البحث عن شركاء دوليين. وذلك بعد خروجها من عزلتها الطويلة التي فرضتها على نفسها خلال حقبة إيدو.

انطلق شعاع العلاقات الدبلوماسية الأول بين اليابان والدولة العثمانية خلال عام 1889 ميلادية. وأرسل السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بعدها بعام واحد، فرقاطة ضخمة تدعى “أرطغرل” لتنقل هدايا وبضائع إلى إمبراطور اليابان “ميجي” وتظهر حسن النوايا بين البلدين.

ولكن عند عودتها من اليابان، واجهت الفرقاطة الضخمة إعصاراً وثم غرقت قِبالة سواحل محافظة واكاياما اليابانية. أدى غرق الفرقاطة إلى فقدان أكثر من 600 بحار وضابط عثماني.

قدمت الحكومة اليابانية آنذاك مساعدة طارئة لطاقم الفرقاطة وساهم الشعب الياباني في انتشال الناجين والحفاظ على حياتهم وثم إعادتهم إلى بلادهم. وأصبحت تلك الحادثة والمشاعر الإنسانية المتبادلة وقت الأزمة، الحجر الأساس للعلاقة المتينة بين البلدين.

ويجدر بالذكر أن العلاقة الثنائية بين اليابان والدولة العثمانية أو تركيا حالياً، واجهت الكثير من المصاعب والتحديات خلال الحرب العالمية الأولى وثم الثانية. ولكنها لم تشهد انهياراً أو تراجعاً في ظل انهيار النظام العالمي بصورة شبه كاملة في حينها.

ولم تنس الحكومة التركية مشاعر الشعب الياباني الصادقة خلال حادثة فرقاطة “أرطغرل”. إذ ردت الجميل إلى اليابان أثناء الحرب العراقية الإيرانية الطويلة، عندما ساهمت في إجلاء رعايا اليابان من طهران على متن الخطوط الجوية التركية.

صورة تاريخية للفرقاطة العثمانية أرطغرل - عبر ويكيميديا
صورة تاريخية للفرقاطة العثمانية أرطغرل – عبر ويكيميديا

يشمل التعاون بين اليابان وتركيا مجموعة واسعة من القطاعات، مما يعكس شراكة شاملة قد تفوق في مداها علاقات العديد من الدول حول العالم.

  • في مجال التجارة والاقتصاد: على مر السنين، نمت العلاقات الاقتصادية بين البلدين بشكل كبير. وتعد اليابان أحد الشركاء التجاريين المهمين لتركيا، حيث يستفيد كلا البلدين من محفظة تجارية متنوعة. وتجد الصادرات التركية، بما في ذلك المنسوجات ومنتجات السيارات، سوقاً في اليابان، بينما تساهم التكنولوجيا والآلات اليابانية في التقدم الصناعي في تركيا.
  • في مجال التكنولوجيا والابتكار: تمتد الشراكة إلى التكنولوجيا والابتكار، حيث تشارك اليابان وتركيا في مشاريع بحثية مشتركة وتبادل المعرفة. ويعزز هذا التعاون التقدم التكنولوجي ويضمن بقاء البلدين في طليعة الدول.
  • في مجال التعاون الأمني: إدراكاً لأهمية الاستقرار الإقليمي والعالمي، تتعاون اليابان وتركيا في القضايا الأمنية. وقد أدت المخاوف المشتركة بشأن الاستقرار الإقليمي إلى تبادل المعلومات الاستخبارية وتنسيق الجهود لمواجهة التحديات المشتركة ومكافحة الإرهاب.
  • في مجال مكافحة الزلازل: اليابان دولة رائدة في مكافحة الزلازل بسبب الكوارث الطبيعية المستمرة التي تواجهها. إذ أرسلت مساعدات مالية ولوجستية. وأرسلت فرقاً مختصةً في البحث والإنقاذ وأخرى طبية، إلى جنوب تركيا إبان حدوث زلازل جنوب تركيا وشمال سوريا عام 2023.
  • في مجال التبادلات الثقافية: تلعب الدبلوماسية الثقافية دوراً حاسماً في تعزيز العلاقات بين الدول. وقد انخرطت اليابان وتركيا في التبادلات الثقافية، وتعزيز التفاهم والتقدير المتبادلين. وتساهم البرامج التعليمية والمعارض الفنية والمبادرات اللغوية في تعميق الروابط بين شعبي البلدين.

ويجدر بالذكر هنا أن تركيا تساهم في تشغيل أكبر مسجد في اليابان (مسجد طوكيو الكبير)، والذي يُعرف كذلك بــ”المسجد التركي”. وبالإضافة لذلك، يعود الفضل للدولة العثمانية بصورة جزئية في نقل الإسلام إلى اليابان منذ القرن الـ19 وبعد خروج اليابان من عزلتها.

مسجد طوكيو الكبير في العاصمة - عبر ويكيميديا
مسجد طوكيو الكبير في العاصمة – عبر ويكيميديا

اقرأ أيضاً: نبذة عن المعهد العربي الإسلامي في طوكيو

حتى يومنا هذا، لا تزال العلاقات الثنائية بين اليابان وتركيا تقف على أساس متين في وجه كل الاضطرابات العالمية المختلفة وتغير الحكومات المتعاقبة. وهو أمر أثار فضول بعض الخبراء في عالم السياسة وأثار لغزاً لم يجدوا له تفسيراً واضحاً.

أظهر كلا البلدين على مدار العقود الماضية التزامهما في الحفاظ على الاستقرار والتعاون في جميع الجوانب. ولعل بداية العلاقات الثنائية الجيدة بين البلدين وبعدهما الجغرافي عن بعضهما البعض هو ما ساهم في زرع روح الصداقة الدائمة بينهما.

وفي نظر بعض الخبراء، تشكل الصداقة بين البلدين أسمى وجوه التعاون الإنساني على الرغم من اختلاف الخلفيات والثقافات وحتى الديانات والعقائد بين الجانبين.

ويجدر بالذكر أن اليابان وقفت إلى جانب تركيا في أحلك الأوقات، وكذلك وقفت تركيا إلى جانب اليابان إبان أزماتها المتعددة. وهي علاقة نادرة حتماً قل ما نجدها في شبكة العلاقات الدولية المعقدة بين دول العالم.


اقرأ أيضاً: نظرة على العلاقات الثنائية بين اليابان والمملكة العربية السعودية

انضم الآن مجاناً لتصبح عضواً متميزاً في مجلة اليابان للحصول على آخر المستجدات والأخبار من الموقع مع العديد من العروض والمفاجآت! (اضغط هنا)


مصادر:
(1) وزارة الخارجية اليابانية
(2) وزارة الخارجية التركية
0 0 votes
Article Rating

اكتب تعليقًا

1 Comment
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
نصرالدين الليبي

العلاقات بين البلدين قوية

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x