مراجعة أنمي “كيف تعيش؟” .. في ميزان الفوضى والغموض، والتنوع والتشويق

مراجعة أنمي "كيف تعيش؟" .. في ميزان الفوضى والغموض، والتنوع والتشويق
مراجعة أنمي "كيف تعيش؟" .. في ميزان الفوضى والغموض، والتنوع والتشويق

نستعرض في هذا المقال مراجعةً شاملةً لأنمي “كيف تعيش” أو المعروف عالمياً باسم (The Boy and the Heron) أو (How Do You Live). في عمر 82 عامًا، قام عراب الأنمي والمخرج الياباني الشهير “هاياو ميازاكي” الذي أخرج فيلمي “المخطوفة” و “جاري توتورو” بإخراج فيلمه الأكثر ارتباطاً بشخصيته حتى الآن. وهو عبارة عن قصة غير عادية من حيث الحبكة، تروي حكاية صبي يبلغ من العمر 12 عامًا يحاول التأقلم مع الحياة بعد وفاة والدته.

إنه الأنمي الذي عاد رسام الأنمي المخضرم “ميازاكي” والمؤسس المشارك لاستوديو غيبلي إلى العمل ليقوم بإنتاجه. ويمكن القول إنه أحد أكثر أعماله المعبرة عن شخصيته. إنّ هذا الأنمي (كيف تعيش) عبارة عن عالم من الخيال الجميل بشكل ملفت. وهو غزير بالتفاصيل التي تعيد النظر في الموضوعات والأدوات المألوفة التي يمكن تذكرها من أعمال الأنمي السابقة. حيث تمكن “ميازاكي” من ربطها معًا بعناصر لها صدى واضح لسيرة حياة المخرج. يبدو أن منطق الحلم في السرد قد ولد من الخيال غير المقيد لطفل وليس من خيال رجل في الثمانينات من عمره! بالإضافة إلى المقطوعة الموسيقية الأوركسترالية المميزة لمؤلفها “جو هيسايشي”، الذي اشتهر بموسيقاه التي ترافق أعمال الأنمي الخاصة بالمخرج “ميازاكي” بشكل معتاد. جميع العناصر التي يمكن التحدث عنها في هذا الأنمي بأبهى حلتها! لذلك يبدو من الفظ أن يتم تصنيف هذا الأنمي على أنه مجرد “عمل عادي” لميازاكي!

العرض التشويقي للأنمي (بالإنجليزية)

هل تم كسر تعويذة ميازاكي؟

وبطبيعة الحال، حتى لو افترضنا جدلاً أن هذا العمل (كيف تعيش) أو أي عمل آخر من أعمال “ميازاكي” بأنه يصنف ضمن الأعمال العادية وليس ضمن الأعمال عالية المستوى، فإن جميع أعمال “ميازاكي” تبقى متفوقةً إلى حد كبير على الكثير من المحتوى التجاري الأكثر تهكماً والذي تقدمه استوديوهات الرسوم المتحركة في هوليوود وفقاً للعديد من الخبراء والنقّاد السينمائيين. ويمكن تشبيه ما يحصل كما لو أن هؤلاء الخبراء والنقّاد قد أصيبوا بسحر أو تعويذة “ميازاكي” حتى يفضلون أعماله على العديد من أعمال استوديوهات هوليوود!

ولكن.. الحق يقال، عند الانتهاء من مشاهدة أنمي “كيف تعيش” سينتاب البعض شعور بأن شيء ما من هذه التعويذة قد كسر! على سبيل المثال، بالمقارنة مع البساطة الخادعة لأنمي “جاري توتورو” أو عالم “المخطوفة” الغني، فإن المقارنة تبدو هنا محيّرة بعض الشيء. فقد تم خنق بعض الإبداع من سحر “ميازاكي” من خلال رواية القصص غير المتماسكة في أنمي “كيف تعيش” والمبالغ فيها خصوصاً مع الفصل الأخير من حبكة الأنمي.

نظرة على الأنمي بدون حرق الأحداث 

عند الخوض في بعض اللقطات (بدون حرق الأحداث طبعاً)، وقبل الانزلاق إلى عوالم موازية من هذا الأنمي، نجد أنفسنا في اليابان أوائل الأربعينيات أثناء الحرب العالمية الثانية. وبطل القصة “ماهيتو” البالغ من العمر 12 عامًا (والذي قام بالأداء الصوتي للشخصية “سوما سانتوكي” في النسخة اليابانية الأصلية).

الفنان والممثل الياباني الشاب "سوما سانتوكي"
الفنان والممثل الياباني الشاب “سوما سانتوكي”

وقبل وقت قصير من وقوع الحدث الرئيسي، يفقد “ماهيتو” والدته في حريق بالمستشفى بعد غارة جوية على طوكيو. وقد تم تصوير الجحيم الذي اجتاح المدينة بصورة تترك انطباعاً غريباً ومربكاً، تختلف عن الأسلوب البصري الدقيق لبقية الفيلم. وهذه الصورة المذهلة للمدينة المحترقة هي الصورة التي استشهد بها “ميازاكي” باعتبارها إحدى ذكريات طفولته المبكرة. والد “ماهيتو” بالأنمي هو مدير مصنع متخصص لصناعة الطائرات المقاتلة كما كان والد المخرج “ميازاكي” تماماً. وتزوج ثانيةً، هذه المرة من الأخت الصغرى لزوجته الراحلة “ناتسوكو” (التي أدت صوتها الفنانة اليابانية الشهيرة “يوشينو كيمورا”).

الفنانة اليابانية "يوشينو كيمورا"
الفنانة اليابانية “يوشينو كيمورا”

ويضطر ماهيتو الذي لا يزال حزينًا (في هذه المرحلة) إلى الانتقال من طوكيو إلى المزرعة الريفية التي نشأت والدته و “ناتسوكو” فيها. وفي هذا المكان يتعرف على شخصية مالك الحزين (الذي يؤدي صوتها “ماساكي سودا”) الذي يطلب منه الدخول إلى برج محظور. ليجد نفسه منجذباً إلى عالم سفلي تتداخل فيه الأزمنة! ومن بين هذه الكائنات التي يتعرف عليها ماهيتو، ببغاءات عملاقة آكلة للبشر.

ومن خلال هذا الأنمي، نستطيع أن نلتمس مدى عشق “ميازاكي” لعالم الطيران. لكن وبشكل غير متوقع، يبدي علاقة غير متوقعة بالطيور في هذا الأنمي! حيث نجد أن الببغاءات المتوحشة تنظر إلى بطل الأنمي “ماهيتو” بجشع، إضافةً إلى قطيع من البجع الذي يتغذى على كائنات عائمة لطيفة تسمى “واراوارا”، ثم نجد مالك الحزين. الذي سرعان ما يفقد هيئته (الطائر الأنيق) ويتحول إلى أكثر شخصيات “ميازاكي” بشاعةً. حيث يجسد شخصية العفريت المغطى بالثآليل. هي الفوضى إذاً، أو هذا ما أراد أن ينقله عرّاب الأنمي إلى عين المشاهد بين لحظات صادمة، ومدهشة في آن معاً، ثم يتركه بمشاعر التيه والحيرة، يتوق إلى لحظة سكون وهدوء، للتأمل وللوقوف على أطلال إبداعات “ميازاكي”، لحظة هدوء كتلك التي تجسدت في محطة الحافلات في أنمي “جاري توتورو”. 

تعليقات ناقدة للأنمي

في اليوم الثامن من يناير 2024، قمنا بنشر خبر عن فوز أنمي “كيف تعيش” بجائزة غولدن غلوب عن أفضل فيلم سينمائي في فئة الرسوم المتحركة. في وقتٍ تجاوزت فيه أرباح الأنمي من شبابيك التذاكر أكثر من 138 مليون دولار أمريكي من حول العالم. ولاحظنا وجود عدد من التعليقات التي تتفق ولو جزئياً مع النظرة الناقدة المطروحة أعلاه. يمكن استعراض هذين التعليقين بالصورة:

بعض من أبرز التعليقات الناقدة للأنمي
بعض من أبرز التعليقات الناقدة للأنمي

خاتمة إيجابية

ولكن في المقابل، هناك عدد من التعليقات الإيجابية والانطباعات الجيدة عن الأنمي ولها أسبابها. ومن ضمنها نسرد انطباع الآنسة رهف من السعودية التي أخبرتنا عن انطباعها بعد مشاهدة الأنمي في إحدى صالات السينما:

“بعد طول انتظار دام 10 سنوات لعمل جديد من إخراج “هاياو ميازاكي”، ظهر فيلم ‘الصبي ومالك الحزين’ (The Boy and the Heron)، أو كما يُعرف باسم ‘كيف تعيش’ (How Do You Live). أعتقد أن الاسم السابق مثاليًا ومناسباً أكثر لمعنى قصة الفيلم. حيث تدور أحداثه حول صبي يحاول التكيّف بعد فقدانه لوالدته، مما يدفعه للانغماس في عوالم الخيال. وكان هناك ترابط جميل مع أفلامه السابقة مثل أنمي ‘المخطوفة’، مما يثير شعورًا بتجربة فنية رائعة تتنوع بين لحظات غامضة ومثيرة وأخرى هادئة وجميلة. كان من دواعي الجمال مشاهدة الفيلم وهو يتبع نفس الأسلوب الكلاسيكي في الرسم والتلوين لاستوديو غيبلي، وكان من الممتع مشاهدة إضافتهم لمسات جديدة في التحريك التي تجعل المشاهد أن يعيش تجربة فريدة من خلف الشاشة.

قد لا تكون نهاية الفيلم مُرضية للجميع، ولكنها وصلت برسالة مطمئنة، تُعلمنا كيف نعيش في عالم مليء بالتحديات والصعوبات. بالفعل، يستحق هذا الفيلم لقب أفضل فيلم رسوم متحركة لعام 2023.”

-نتطلع لقراءة انطباعاتكم عن هذا الأنمي، حيث يمكن مشاركتنا بكتابة آرائكم في التعليقات أسفل المقال.

اقرأ أيضاً:

عندما رفض هاياو ميازاكي استلام الأوسكار احتجاجاً على حرب العراق

استوديو غيبلي | أشهر 10 أفلام ننصح بمشاهدتها

انضم الآن مجاناً لتصبح عضواً متميزاً في مجلة اليابان للحصول على آخر المستجدات والأخبار من الموقع مع العديد من العروض والمفاجآت! (اضغط هنا)

5 1 vote
Article Rating

اكتب تعليقًا

1 Comment
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
nedalabareh
nedalabareh
8 شهور

انا لم اشاهد الفلم لكن من انطباعي حول الفكره أو المفهوم لدي عن عالم الانمي اجد أن العمل رائع ومبتكر لتقريب فكره الكيان الافتراضي وقربه من تحقيق الوجود الفعلي في العالم المحسوس مع التقدم الهائل في العلوم قد نستطيع قريبا أن نرى الشخصيه العصبيه الحسيه او في يوما ما

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x