هجوم العمالقة “Shingeki no Kyojin” 進撃の巨人 هو مسلسل أنمي استحوذ على قلوب وعقول المعجبين في جميع أنحاء العالم منذ ظهوره لأول مرة في عام 2013. استنادًا إلى المانغا التي كتبها هاجيمي إيساياما، أصبحت السلسلة ظاهرة ثقافية، معروفة بأكشن مكثف وشخصياتها المعقدة واستكشافها العميق لموضوعات مثل البقاء والحرية والحالة الإنسانية. فما هو الأساس الفلسفي لهذا العمل؟ وما هي قصته؟ وما الذي تجسده شحصياته؟
نظرة تاريخيّة عامة
هجوم العمالقة هو اسم سمعناه جميعًا أو قرأناه مرة واحدة على الأقل في السنوات الأخيرة. إنها ظاهرة تمتد إلى ما هو أبعد من الحدود الموجودة أحيانًا للرسوم المتحركة اليابانية . موجة شعبية حقيقية، احتضنت أعمال هاجيمي إيساياما أكثر من 100 مليون مشاهد وقارئ، ووصلت إلى عقول الأشخاص الذين لا يهتمون عادةً بالمانغا اليابانية.
وخلال الجزء الثاني من الموسم حتى الآن، برزت حلقة واحدة تحديدًا. احتلت حلقة “الأخوين” المرتبة الثانية في قائمة أفضل عشر حلقات على الإطلاق على موقع IMDB، بتقييم 10/10، وبينما يحظى “هجوم العمالقة” باهتمام عشاق الأنمي، فقد حظي المسلسل أيضًا بتقدير الأوساط الأكاديمية كما في بعض الأبحاث النفسية والمشاريع الاجتماعية.
محور القصة وسرد الأحداث
تدور أحداث هجوم العمالقة في عالم حيث البشرية على وشك الانقراض بسبب المخلوقات البشرية العملاقة المعروفة باسم العمالقة، ويبدأ هجوم العمالقة بمأساة مروعة. تتبع القصة إيرين ييغر، وهو شاب تنقلب حياته رأسًا على عقب عندما يخترق عملاق ضخم الأسوار التي تحمي مدينته، مما يسمح لجبابرة أصغر بغزو وإحداث دمار هائل. ينجو إيرين وأخته بالتبني ميكاسا أكرمان وصديقهما أرمين أرليرت من الهجوم. لكن الحدث يضعهم على طريق الانضمام إلى الجيش والسعي للانتقام من العمالقة. مع تقدم المسلسل، يكشف الثلاثي أسرارًا مظلمة عن العمالقة، وأصول عالمهم، والألغاز المحيطة بمجتمعهم.
لقد بذل إيساياما جهودًا كبيرة لبناء سيناريو معقد وكثيف، كان يعرف مخططه وخاتمته قبل نشر المانغا. يبدأ من فرضية بسيطة، وهي فرضية طفل يبحث عن الانتقام.
تمتلئ حبكة هجوم العمالقة بالمنعطفات والتقلبات التي تبقي الجمهور على حافة مقاعدهم. يبدأ المسلسل بإحساس واضح بالبقاء والانتقام لشدة التشويق الموجود بالحبكة الدرامية. ولكن مع تطور القصة، يتطور إلى فيلم إثارة سياسي معقد!
يستكشف السرد قضايا مثل ديناميكيات القوة، وأخلاقيات الحرب، وعواقب الولاء الأعمى. في جوهره، هجوم العمالقة هو قصة كفاح البشرية من أجل الحرية ضد صعوبات تبدو لا يمكن التغلب عليها، ويرفض فرضية الحرب النظيفة والشجاعة التي نراها في العديد من الأعمال الخيالية. حيث يركز على كفاح البشرية من أجل البقاء، بينما تتعمق الأقواس اللاحقة في أسرار العالم المظلمة ودوافع أصحاب السلطة.
أبرز شخصيات هجوم العمالقة
إيرين ييغر
أحد الجوانب البارزة في هجوم العمالقة هو طاقم شخصياته الغني والمتنوع. يصوَّر إيرين ييغر، بطل الرواية، في البداية كشابٍّ متهورٍ ومندفع يسعى للانتقام لمقتل والدته. ومع ذلك، ومع تطوّر أحداث القصة، تشهد شخصيته تطورًا ملحوظًا. رحلة إيرين رحلة اكتشافٍ للذات تأخذ جزءا محوريًا طوال السلسلة.
ميكاسا أكرمان
أخت إيرين بالتبني، هي واحدة من أكثر الشخصيات المحبوبة في السلسلة. إنها جندية ماهرة، وغالبًا ما يتم تصويرها على أنها باردة وصامدة، لكن حبها العميق لإيرين وولائها له واضح. تتميز شخصية ميكاسا بالقوة، لكنها تكافح أيضًا مع مشاعرها الخاصة وصدمة فقدان عائلتها. علاقتها مع إيرين معقدة، حيث أنها مدفوعة بالحب العائلي والواقع القاسي للعالم الذي يعيشون فيه.
أرمين أرليرت
العضو الثالث في الثلاثي، يتم تصويره في البداية على أنه شخصية ضعيفة وغير آمنة. ومع ذلك، يصبح ذكاء أرمين وتفكيره الاستراتيجي أصولًا رئيسية للفريق مع تقدم قصة المسلسل. يعد نموه من صبي خائف إلى قائد شجاع وحساب أحد أكثر أقواس الشخصيات إقناعًا في السلسلة.
بالإضافة إلى الثلاثي الرئيسي، يتميز هجوم العمالقة بمجموعة واسعة من الشخصيات الثانوية، ولكل منها دوافعها ونقاط قوتها وعيوبها الخاصة. من ليفي أكرمان الراسخ، أحد أقوى جنود البشرية، إلى هيستوريا رايس المعقدة أخلاقياً، يخلق العرض نسيجًا غنيًا من الشخصيات التي تساهم في الثقل العاطفي للقصة.
يتميز المسلسل بشخصيات نسائية قوية ومعقدة تلعب أدوارًا محورية في القصة، حيث تتحدى هذه الشخصيات الصور النمطية وتساهم بشكل كبير في السرد العام، مما يجعل “هجوم العمالقة” مميزًا من حيث التمثيل النسائي.
كما يقدّم الأنمي شخصيات شريرة أيقونية لا تنسى. لكنّهم غامضة أخلاقيًا! فتشكل تحديًا لتصورات الجمهور. يمتلك هؤلاء الأشرار دوافع قوية، ويُضيفون لمسةً من التشويق والإثارة إلى القصة.
كل شخصية تكون في وقت أو آخر مستعدة للموت من أجل “الصالح العام”. كل شيء مسموح به من أجل الهزيمة الحتمية “للعدو”، لأن كل شخصية مقتنعة بأنها رسول حقيقة غير قابلة للتصرف. ولكن لا يوجد شيء اسمه الحقيقة، ويمكن اعتبار الجميع ملاكا أو شيطانًا، اعتمادًا على من يروي القصة. تمامًا كما قد يجسد إرهابيو شخص ما شكلاً من أشكال الجمال الثوري لشخص آخر.
نظرة تحليلية على الحبكة الدرامية
هجوم العمالقة هو مسلسل عن الحرية وثمن البقاء. عالم هجوم العمالقة هو مكان تقاتل فيه البشرية باستمرار من أجل وجودها، وتطرح القصة أسئلة صعبة حول تكلفة هذا البقاء. إلى أي مدى أنت على استعداد للذهاب لحماية أحبائك؟ ما هي التضحيات المقبولة باسم الحرية؟ وما هي الحرية من وجهة نظرك؟
يستكشف المسلسل أيضًا الطبيعة الدورية للعنف وعواقب السلطة. مع تقدم القصة، يتضح أن العمالقة ليسوا مجرد وحوش بلا عقل؛ إنهم جزء من نظام أكبر من القمع والصراع. يسلّط الصراع بين الإلديين (الذين لعنوا بقدرة التحوّل إلى جبابرة) والمارليانيين (أمة حاكمة تضطهدهم) الضوء على الطبيعة المدمرة للكراهية والتحيز. يُعدّ مسلسل “هجوم العمالقة”، من نواحٍ عديدة، تعليقًا على الطريقة التي تبرّر بها المجتمعات العنف وتجريد الآخرين من إنسانيتهم.
ملحمة حرب خيالية واقعية
يرسم عمل إيساياما أوجه تشابه واضحة مع تاريخ عالمنا، مما يمنح المعارك النهائية جمالية الحرب العالمية الثانية، بينما يربط التجربة التي تحملها شعب إيرين بالفظائع التي ارتكبت ضد الأوروبيين في القرن العشرين . بدءًا من مأساة طفل فقد أمه، يأخذنا الكاتب الياباني في رحلة عبر عصور حربٍ دامت ألف عام، أججها الاستياء وانعدام الحوار. تسعى القصة إلى أن تبيّن لنا أنه لا وجود لحقيقة مطلقة، وأن كل شيء يعتمد على وجهة نظر. تفحص الإنسانية في أبهى صورها وأكثرها انحطاطًا. يبقى سؤالٌ واحدٌ على ألسنتنا: ألا نُخاطر، ببذل أنفسنا بقلبٍ وروحٍ لقضيته، بأن نصبح عبيدًا لحريتنا، ونكرّس هذه الدائرة اللانهائية من الكراهية والاستياء؟
على عكس سرد الحرب العالمية الثانية المباشر للخير ضد الشر، يضفي مسلسل “هجوم العمالقة” بعدًا جديدًا من خلال مقارنته بين الإلديين والمارليانيين. يتنقل الأنمي بمهارة بين تعقيدات كون الضحية والمجرم في آنٍ واحد، مساهمًا في سرد يتجاوز المنظور البسيط للأبيض والأسود.
نظرة فلسفية
هجوم العمالقة هي قصة قاسية تفاجئنا بكشف رهاناتها الحقيقية، بالإضافة إلى موضوعها الرئيسي، تمامًا عندما نعتقد أننا نرى النور أخيرًا . عند اكتشاف العالم خارج الأسوار، يعلم أولئك الذين ظنوا أنهم آخر الناجين من الجنس البشري أن البشرية استمرت في الازدهار، وأنها تضمر كراهية عميقة الجذور لأهل الأسوار. لم يعد هذا صراعًا ما بعد نهاية العالم ضد كائنات وحشية، ولكنه تأمل عميق في دورة الكراهية والعنف التي ابتليت بها تاريخ البشرية بأكمله.
تعمّق هذه العناصر التاريخية طابع “هجوم العمالقة”، مضيفةً طبقاتٍ من التعقيد إلى سردها المُعقّد. ورغم طابعها الخيالي، تُعبّر السلسلة ببراعة عن مشاعر الظالم والمظلوم، مقدّمةً لمحةً مؤثرةً عن المصاعب التي عاناها الكثيرون. إن استكشاف أوجه التشابه التاريخية في “هجوم العمالقة” لا يثري سردها فحسب، بل يمثّل أيضاً تعليقاً قوياً على الأثر المُستمرّ للفترات العصيبة في تاريخ البشرية
عند المقارنة بين إمبراطورية الإلديين والحضارة الغربية، حيث جلبت العديد من التطورات، في مقابل أنها خلفت وراءها جرائم ضد الإنسانية مثل التجارة المثلثة والإبادة الجماعية للسكان الأصليين. حيث اضطروا جميعًا إلى تلطيخ أيديهم باسم خدعة تسمح لخطة أمة الأكبر بالسير في طريق النجاح .
إيرين ييغر.. روح هذه القصة
يجسد إيرين كل تلك الطفولة التي تحطمت بسبب ملامسة قسوة عالمنا. ومن هذا المنطلق، فهو شخصية يصعب تحليلها، لأنه ليس متجانسًا.
طفل ساذج وحالم في آن واحد، جندي ذو إرادة لا تتزعزع، ثم قائد ثوري، قبل أن يصبح وحشًا من وحوش الإبادة الجماعية، وبشكل متناقض، تجسيدًا للأمل في مستقبل البشرية . إنه مجموع من خصائص متناقضة! والتي تميز التطورات المختلفة في رحلة حياته.
فإذا كان تأثير العمالقة على حياته قد داس على جوهره، فإن اللحظة التي يكتشف فيها أن البشرية لم تنقرض خارج الأسوار كانت بمثابة صدمة جديدة. فهو يواجه قسوة مجسمة.
هذه الأفكار التي تطارد شخصية إيرين تعبر عن الكثير عن طبيعته العميقة. إنه ليس كائنًا متجانسًا، لأنه مليء بالمفارقات الأخلاقية . اتضح أن هذا الرجل المهووس بالحرية هو في الواقع أقل شخصية تتمتع بالحرية في القصة بأكملها.
شيئًا فشيئًا، أصبح شبحًا أمله الوحيد هو تدمير العالم. غارقًا في هذه القوة التي اكتسبها. مرتكبا أبشع أنواع الإبادة الجماعية! حتى أنه داس 80% من البشر. وفي الواقع، فإن إيرين هو بطل مضاد أكثر من كونه بطلًا. وهو ما يوضح أن الهدف ليس إقامة ضريح للمجد في عالم يتميز بغيابه، ولكن لإظهار أننا شياطين هذا الجحيم الذي بنيناه .
إيرين شخصية قادرة على فعل كل من الأفضل والأسوأ. وهو خلاصة المشاعر المتناقضة، ثورة ضد عالم قاسٍ وسخيف. إن تناقضاته تبهرنا وتنفّرنا في الوقت نفسه.
أسلوب الرسم والتحريك
يشتهر مسلسل “هجوم العمالقة” برسومه المتحركة المذهلة، والسلسة والمفصلة. مشاهد الحركة، وخاصةً المعارك بين العمالقة والجنود البشر، آسرة، مع حركات سريعة الإيقاع تبقي المشاهد في حالة ترقب. وقد قام استوديو الرسوم المتحركة، ويت ستوديو (ثم مابا لاحقًا للمواسم الأخيرة)، بعمل استثنائي في إضفاء الحيوية على عالم “هجوم العمالقة”. مشاهد القتال مكثفة وعميقة، مع استخدام معدات المناورة ثلاثية الأبعاد التي تضفي ديناميكية فريدة على مشاهد القتال.
كما أن العمالقة أنفسهم جزء أساسي من التصميم البصري للمسلسل. مظهرهم الغريب والمرعب في كثير من الأحيان يضيف عنصر الرعب إلى المسلسل، وحجمهم وقوتهم الهائلة يجعلونهم تهديدًا مستمرًا للشخصيات. يبدع المسلسل في موازنة عناصر الرعب مع الحركة، مما يخلق شعورًا بالتوتر يتخلل كل حلقة.
ويعد بناء العالم في “هجوم العمالقة” نقطة قوة أخرى. تضفي المناظر الطبيعية المقفرة، والأسوار الشاهقة، والتصاميم المعقدة للمدن، أجواءً مرهِقة على المسلسل. يكمّل السرد البصري السرد، حيث صمّم كل مشهد بعناية لإثارة الاستجابة العاطفية المُناسبة لدى الجمهور.
الموسيقى والأداء الصوتي
تعدّ موسيقى “هجوم العمالقة” سمةً بارزةً أخرى من سمات المسلسل. تشكّل الموسيقى التصويرية، التي ألّفها هيرويوكي ساوانو، مزيجًا من العناصر الأوركسترالية والإلكترونية التي تُكمّل إيقاع المسلسل بشكلٍ مثالي.
وقد أصبحت الألحان الافتتاحية، وخاصةً “غورين نو يوميّا” و”شينزو وو ساساغيو”، رمزًا مميزًا، بصوتها الحيوي والحماسي الذي يجسّد قوة المسلسل. تضيف الموسيقى إلى الثقل العاطفي للقصة، حيث تتنوّع الموسيقى بين لحظات الحركة الملحمية والمشاهد الهادئة والتأملية.
كما في الأداء الصوتي، حيث يضيف زئير العمالقة وانفعال الأبطال وأصوات المعارك انغماسًا في العالم. بجانب الموسيقى التصويرية التي تمثل أداة سردية ومرساة عاطفية، تُعزز رهانات كل صراع وتُضيف عمقًا لصراعات الشخصيات.
إعداد و تقديم جنة الجندي لمزيد من المحتوى المقدم من الكاتبة، بالإمكان متابعة صفحتها الخاصة عبر فيسبوك.