هل تخيلت يوماً الهروب إلى عالم خيالي من السحر والأرواح؟ أنمي 千と千尋の神隠し (المخطوفة) يمنحك الفرصة بالانغماس في عالم من المغامرات المثيرة مع الفتاة تشيهيرو! إنها فتاة عنيدة ولكن شجاعة. وهي تشق طريقها عبر حمام سحري مليء بالمخلوقات الغريبة وتواجه تحديات مثيرة لإنقاذ عائلتها. دع رسومات “هاياو ميازاكي” المذهلة مع سرده الساحر تغمرك بالدهشة وتذكرك بأن حتى أكثر الأشياء العادية يمكن أن تكشف لك شجاعة استثنائية في داخلك!
قبل أكثر من عشرين عاما، وتحديدا في يوم 20 يوليو 2001، عُرض فيلم أنمي المخطوفة في دور السينما اليابانية ليصبح واحدًا من أفلام الرسوم المتحركة الأكثر شهرة على الإطلاق. نسلط الضوء في هذا المقال على هذا الأنمي ومدى تأثيره على الصناعة برمتها حول العالم.
قصة النجاح والانتشار واسع النطاق
أنمي 千と千尋の神隠し (سين تو تشيهيرو نو كاميكاكوشي) أو كما يعرف بالإنجليزية Spirited Away من إخراج “هاياو ميازاكي” وإنتاج استوديو غيبلي. ترك بصمةً لا تُمحى على عالم الرسوم المتحركة في القرن الحادي والعشرين. جاء الفيلم في وقت كان ينظر فيه إلى الرسوم المتحركة على نطاق واسع على أنها نوع مخصص للأطفال فقط. وعندما كانت الاختلافات الثقافية غالبًا تشكل عقبات أمام التوزيع العالمي للرسوم المتحركة إجمالاً. حطّمَ فيلم المخطوفة الأفكار المسبقة حول هذا الفن والصناعة بأكملها. وأثبت أيضًا أنه كفيلم تم إنشاؤه باللغة اليابانية مع عناصر من الفولكلور الياباني في صميمه. يمكن أن يتردد صداه بعمق لدى الجماهير في جميع أنحاء العالم.
تروي القصة حكاية فتاة عادية تبلغ من العمر 10 سنوات تدعى تشيهيرو. حيث تصل إلى مدينة ملاهي مهجورة والتي تتحول إلى عالم الأرواح. بعد حادثة الإفراط في الأكل التي تؤدي إلى تحول والديها حرفياً إلى خنازير، يتعين على تشيهيرو العمل في حمام يخدم زبائن من عالم آخر من أجل البقاء على قيد الحياة وإيجاد طريقة للعودة إلى المنزل.
مزيج فريد يثير مشاعر الدهشة والقلق في آنٍ واحد!
يمزج فيلم المخطوفة بين الخيال والإلهام ليغرق المشاهد في عالم خيالي يثير فيه مشاعر الدهشة والقلق في آنٍ واحد! تستند العديد من الجوانب بهذا الأنمي إلى الفولكلور الياباني. ويشير جزء من العنوان الياباني نفسه، “كامي كاكوشي” (Kamikakushi)، إلى مفهوم الاختفاء نتيجة الاختطاف. كما تعد القصة كذلك حكاية عن الصمود والمثابرة. حيث تستمد تشيهيرو تدريجياً من قوتها الداخلية لتتحمل البقاء في أرض يعتقد فيها أن البشر مصيرهم هو الزوال.
هذا الأنمي كما صرح “هاياو ميازاكي” سابقاً بأنه كان يراعي بأنه كان يراعي رد فعل الجمهور وانطباعه المتوقع عن الأنمي حتى قبل إنهاء العمل عليه! ففي حين تم إنتاج أنمي “جاري توتورو”، الذي كان موجهاً للأطفال الصغار، و أنمي “قلعة في السماء”، حيث يشرع فتى في رحلة مثيرة ومشوّقة، وأنمي “خدمة توصيل كيكي”، حيث يتعين على فتاة مراهقة الاعتماد على نفسها. لم يتم إنتاج فيلم أنمي في ذلك الوقت للفتيات في سنّ العاشرة، اللواتي يمرن بالمرحلة الأولى من مراهقتهن. مما دفع “هاياو ميازاكي” للتساؤل عما إذا كان بإمكانه صنع فيلم يمكن للفتيات فيه أن يكن بطلات!
أكثر من 13 مليون دولار خلال 3 أيام!
حقق فيلم المخطوفة نجاحًا كبيرًا تجاوز جمهوره المستهدف. وقد حطم الأنمي الرقم القياسي فور صدوره لعروض نهاية الأسبوع في اليابان. حيث بلغت أرباحه 13.1 مليون دولار على مدار ثلاثة أيام فقط! وقد تجاوز الأرقام السابقة التي حققها فيلم آخر من أفلام ميازاكي، وهو فيلم أنمي الأميرة مونونوكي عام 1997. وأصبح فيلم المخطوفة (Spirited Away) فيما بعد أعلى فيلم تحقيقا للربح في تاريخ اليابان على الإطلاق. وظل يحمل الرقم القياسي لمدة 19 عامًا. حيث تجاوزت أرباحه حاجز 300 مليون دولار في شباك التذاكر المحلي في عام 2020 بعد إعادة عرض الفيلم. ثم طغى عليه بعد فترة وجيزة أنمي ديمون سلاير Demon Slayer: Kimetsu no Yaiba the Movie: Mugen Train في ديسمبر).
وفي الأعوام التي تلت عرض الفيلم لأول مرة، انتشر الفيلم على نطاق واسع حيث عرض في مهرجانات الأفلام الدولية وتم عرضه سينمائيًا في جميع أنحاء العالم. كما أصبح متاحًا في عام 2020 لعدد أكبر من الجمهور عندما دخل مكتبة (نتفلكس) Netflix في عشرات البلدان. وانضم إلى مكتبة HBO Max في الولايات المتحدة عندما تم إطلاق المنصة بمجموعة Studio Ghibli. وبعد عقدين من الزمن، لا تزال قصة “تشيهيرو” تصل إلى جمهور جديد. ومن خلال أشكال جديدة مثل عروض الاقتباس المسرحية حتى خارج اليابان.
أهمية إيرادات شباك التذاكر وجوائز فيلم Spirited Away
حقق فيلم Spirited Away (المخطوفة) نجاحًا تجاريًا هائلاً حيث جمع 234 مليون دولار. متجاوزًا فيلم Titanic (تايتنك) ليصبح أعلى فيلم تحقيقا للربح في تاريخ اليابان. وأوضح الدكتور “شيرو يوشيوكا”، المحاضر في الدراسات اليابانية بكلية اللغات الحديثة بجامعة نيوكاسل ومؤلف فصل “قلب اليابانية: التاريخ والحنين في فيلم Spirited Away للمخرج هاياو ميازاكي” في كتاب “الثقافة البصرية اليابانية”، أن نجاحه التجاري ساهم في جعل الرسوم المتحركة “نوعًا سينمائيًا أصيلاً بالغ الأهمية في اليابان”.
موضحاً أن شعبيته كان لها تأثيراً تراكمياً على شعبية فيلم آخر من إنتاج شركة استوديو غيبلي صدر قبل 4 سنوات. ويقول عن أنمي الأميرة مونونوكي (1997) الذي كان يتصدر شباك التذاكر في اليابان قبل أن يتفوق عليه فيلم (تايتنك) Titanic: “حقق فيلم الأميرة مونونوكي نجاحًا كبيرًا بالفعل. ووضع الرسوم المتحركة على خريطة السينما اليابانية. وأضاف “يوشيوكا”: “حتى ذلك الحين كانت الرسوم المتحركة أو الأنمي أقرب إلى نوع من الأنواع الفرعية في مجال إنتاج الأعمال السينمائية والترفيهية”.
النجاح التجاري في مواجهة النقد الفني
اتبع نجاح الفيلم التجاري المحلي شهرة نقدية عالمية سريعة. في مهرجان برلين السينمائي الدولي عام 2002، حصل فيلم Spirited Away بالمشاركة على جائزة الدب الذهبي. ليصبح أول فيلم رسوم متحركة يفوز بالجائزة الكبرى في تاريخ المهرجان. في عام 2003، حصل فيلم Spirited Away على جائزة أفضل فيلم رسوم متحركة في حفل توزيع جوائز الأوسكار الخامسة والسبعين، ليصبح أول فيلم بلغة غير إنجليزية يفوز بالجائزة!
النجاح الذي حققه الأنمي غير عادي أبدا
تحدثت الدكتورة سوزان نايبر، مؤلفة كتاب “عالم ميازاكي: حياة في الفن” وأستاذة في جامعة تافتس بولاية ماساتشوستس الأمريكية، عن أهمية نجاحات Spirited Away فقالت: “حقيقة فوز فيلم أنمي ياباني (غير غربي) بجوائز رئيسية من مصدرين غربيين مهمين كان دفعةً قويةً لصناعة الرسوم المتحركة اليابانية”. وأضافت “نايبر”: “لفترة طويلة، كانت الرسوم المتحركة ينظر إليها في الغرب – وخاصة في أمريكا – على أنها أشياء صبيانية ومبتذلة. لا يتم أخذها على محمل الجد”. و”أنه عندما فاز فيلم Spirited Away بجائزة الأوسكار، “بدأ الناس يقولون، يا للعجب، ما هذا كله عن الرسوم المتحركة حتى حصلت على فئتها الخاصة، وبات يُنظر إليها كشكل فني حقيقي”.
وتكمن أهمية الفوز بالأوسكار بالنسبة لميازاكي واستوديو غيبلي وصناعة الرسوم المتحركة اليابانية بشكل عام، بأنها قد جعلت الرسوم المتحركة اليابانية نوعًا سينمائيًا أكثر عالمية بدلاً من كونها نوعًا متخصصًا للغاية. فهي لم تعد تعتبر محتوى مخصصًا فقط لـ “الأوتاكو”، وهو مصطلح يستخدم غالبًا لوصف المعجبين المتحمسين بالثقافة اليابانية وخصوصاً القسم الترفيهي منها مثل الأنمي والمانغا.
تأثير فيلم المخطوفة على صناعة الرسوم المتحركة
لم يقتصر تميز فيلم المخطوفة على كونه الفيلم الأجنبي الوحيد -لفترة طويلة- الذي فاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة، بل إنه أيضًا الفيلم الوحيد المرسوم يدويًا الذي ينال هذا التكريم. فجميع الأفلام الفائزة الأخرى تقريباً هي أعمال رسوم متحركة حاسوبية. فقد تم إنتاج الفيلم في وقت يحدث فيه تحول كبير في الرسوم المتحركة اليابانية. ويتجه المزيد والمزيد من الناس إلى استخدام الكمبيوتر بدلاً من الرسوم المتحركة التقليدية ثنائية الأبعاد. وذلك في إشارة إلى التقنية التي يتم فيها رسم كل إطار يدويًا. ورغم ذلك، استخدم الفيلم بعض تقنيات الرسوم المتحركة الحاسوبية، ولكن بشكل محدود.
تلاحظ الدكتورة “ماري ناكامورا”، المحاضرة في الدراسات اليابانية الحديثة والعلاقات الدولية بجامعة ليدن الهولندية، أن “التحريك الحاسوبي في الفيلم متقن وبالكاد يلحظ المشاهد الفرق. الفيلم بأكمله يبدو وكأنه رسوم متحركة تقليدية ثنائية الأبعاد”. وأضافت: “هذه سمة مميزة جدًا لأعمال الأنمي اليابانية بشكل عام. حيث تبرز التوازن الفريد بين الرسوم ثنائية الأبعاد وثلاثية الأبعاد. وفي حين أن العديد من الاستوديوهات تخلت عن الرسوم المتحركة ثنائية الأبعاد على مر العقود، إلا أن هذا الأسلوب ظل عنصرًا أساسيًا في أسلوب استوديو غيبلي.
اقرأ أيضاً:
تأثير استوديو غيبلي على صناعة الأنمي