تأثير استوديو غيبلي على صناعة الأنمي

تأثير استوديو غيبلي على صناعة الأنمي
تأثير استوديو غيبلي على صناعة الأنمي

نستعرض في موضوعنا مدى تأثير استوديو غيبلي على صناعة الأنمي. مع البحث عن أبرز الأسباب التي منحت قوة مؤثرة لهذا الاستوديو الشهير وجعلت منه ظاهرة أيقونيةً تاريخيةً بصناعة الأنمي.

استوديو غيبلي عبارة عن شركة يابانية مختصة بإنتاج أفلام الأنمي. ويقع هذا الاستوديو بالعاصمة طوكيو. يتمتع الاستوديو بحضور قوي بصناعة الأنمي. وقد وسّع نطاق أعماله ليشمل صيغاً إعلاميةً متنوعةً مثل الأفلام القصيرة والإعلانات التلفزيونية وفيلمين تلفزيونيين. حظيت أعمال الاستوديو بشعبية كبيرة لدى الجمهور ونالت العديد من الجوائز. يعتبر توتورو، الشخصية من فيلم “جاري توتورو” My Neighbor Totoro الصادر عام 1988، أكثر رموزه شهرةً.

شخصية توتورو أحد أكثر أيقونات استوديو غيبلي شهرةً
شخصية توتورو أحد أكثر أيقونات استوديو غيبلي شهرةً

نظرة تاريخية

حتى نزيل الالتباس، من المهم أن نوضّح أن عبارة “الرسوم المتحركة” يقصد بها كل أفلام ومسلسلات الرسوم المتحركة التي تم إنتاجها في هذا النطاق بكافة أنحاء العالم، وليس فقط باليابان. ونهدف من خلال هذه النظرة التاريخية فهم الوضع والحال الذي كانت عليه صناعة الأنمي قبل أن يتم إنشاء الاستوديو، ثم بعد ذلك نسلط الضوء على هذه الصناعة ومدى تأثرها بعد إنشاء استوديو غيبلي.

في أوائل القرن العشرين تم ابتكار فن وتكنولوجيا الرسوم المتحركة. وكان رواد هذه الصناعة آنذاك من المملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة، ولكن المشهد تغير لإضافة منافس آخر. فاشتهرت اليابان بجميع أنحاء العالم بتلفزيون الأنمي والأفلام الروائية، ولكن استوديو واحد فقط يبرز من بين باقي الاستوديوهات. ألا وهو استوديو غيبلي. كما أنه من الاستوديوهات القليلة التي تركت تأثيرًا حقيقيًا على الصناعة ككل.

تحف فنية يصعب تكرارها

منذ منتصف الثمانينيات، أنتج استوديو غيبلي أكثر من 12 فيلما يُعتبر من أعظم أفلام الرسوم المتحركة في التاريخ. وعلى امتداد أكثر من 20 فيلماً من الأفلام التي أنتجها الاستوديو، توجد مجموعة رائعة من الروايات والرسائل والأعمال الفنية التي لم يتمكن أحد من تكرارها. وبفضل مكتبته الضخمة التي تضم عناوين آسرة، حقق استوديو غيبلي نجاحاً في سجلات شباك التذاكر والجوائز والإشادة العامة من المعجبين والنقاد على حد سواء. ومع ذلك، فإن أكبر نجاح هو كيف أثبت غيبلي أن الرسوم المتحركة ليست أداة للربح، بل هي بالأحرى وسيلة إبداعية لإنتاج أعمال فنية تناسب جميع الفئات العمرية.

بحلول الوقت الذي أسس فيه المؤسسون “هاياو ميازاكي” و “توشيو سوزوكي” و “إيساو تاكاهاتا” و “ياسويوشي توكوما” استوديو غيبلي ، كانت صناعة الرسوم المتحركة بقمة تألقها. حدث ذلك عام 1985، بعد عدة عقود من ابتكار الرسوم المتحركة وإنتاج عناوين شهيرة مثل “سنو وايت (فلة) والأقزام السبعة” عام 1937. وكان بذلك الوقت الاستوديو الأكثر شهرةً والأكثر انتشارًا عالمياً بهذه الصناعة هو استوديو “والت ديزني”.

خلال الثمانينيات، كان الغرب يمتلك شركة ديزني الرائدة بالسوق العالمية للأفلام الروائية وكانت لديه أسواق سريعة النمو لمسلسلات الرسوم المتحركة التلفزيونية من استوديوهات أسطورية مثل وارنر برذرز. وبنفس العقد، كان سوق الرسوم المتحركة في اليابان حقق نجاحات على المستوى العالمي بالفعل من خلال مسلسلات الرسوم المتحركة التلفزيونية. وكانت العناوين الأكثر شهرة بالثمانينيات هي قبضة نجم الشمال (1984) و ديفل مان (1987) وفيلم أكيرا (1988). حتى قبل الثمانينيات، كان الأنمي يتمتع بشعبية عالمية بالفعل مع عناوين أسطورية مثل أسترو بوي (1963) وسبيد ريسر (1967).

حرق المنافسة بأول ظهور

على مر تاريخ صناعة الرسوم المتحركة، اشتهرت الرسوم المتحركة بشهرتها التسويقية بمجال ترفيه الأطفال. تم إنتاج الغالبية العظمى من الأفلام المتحركة لتسلية الجماهير الأصغر على مدى عقود. وعلى الرغم من نجاحات ديزني الكبرى عالمياً وقوتها التنافسية العالية محلياً ودولياً، حقق استوديو غيبلي نجاحاً فورياً حينما أصدر أول فيلم رسمي له، قلعة في السماء (1986). حقق الفيلم إيرادات بلغت 1.16 مليار ين ياباني (8.1 مليون دولار) باليابان. وعلى الصعيد الدولي، بلغت إجمالي أرباح شباك التذاكر 15.5 مليون دولار بميزانية 5 مليون دولار فقط.

فيلم مأساوي عجز الكثيرين عن فهمه وقت إطلاقه

تم تسويق فيلم “قلعة في السماء” على أنه موجه للجمهور الأصغر سناً. وهذا لن يكون آخر فيلم مناسب للعائلة ينتجه استوديو غيبلي. ومع ذلك ، تغير هذا الاتجاه في عام 1988 عندما أصدر استوديو غيبلي فيلم الحرب المأساوي “قبر اليراعات”. يعتبر الفيلم تصويرًا واقعيًا لآثار الحرب العالمية الثانية على المدنيين اليابانيين. والمشاهد البشعة ليست سوى جزء من سبب عدم رغبة الأطفال بمشاهدته.

العرض التشويقي لأنمي “قبر اليراعات”

وفقًا لإجماع النقاد على موقع Rotten Tomatoes، يُوصف الفيلم بأنه “فيلم حزين ومناهض للحرب”. على عكس معظم أفلام غيبلي، حقق “قبر اليراعات” عند إطلاقه أقل نسبة قبول. ففي اليابان، بلغت أرباح سجل شباك التذاكر 516,962 دولارًا فقط. وبالخارج، ارتفعت الأرباح الإجمالية إلى 2،459 دولارًا فقط (عند إطلاقه). كان الواقع القاسي لهذه التحفة وقعٌ كبيرٌ على الجمهور ولم يستطع تحمله.

عمل سابق لعصره

لذلك أجمع النقّاد على أن أنمي “قبر اليراعات” كان سابقاً لعصره ، لكن هذا لم يمنع استوديو غيبلي من ابتكار أفلام رسوم متحركة أخرى مثل الأميرة مونونوكي (1997) وأنمي The Wind Rises عام 2013. وحكاية الأميرة كاغويا (2013). حتى في أفلام غيبلي الأقل نضجاً، يحافظ الاستوديو على مستوى من التميز.

وبالحديث عن التميّز، إن سبب رغبة كل من “ميازاكي” و “سوزوكي” و”تاكاهاتا” و “توكوما” بإنشاء استوديو مستقل هو الابتعاد عن تيارات تسليع الرسوم المتحركة. تُكتب كل قصة باستوديو غيبلي بشخصيات ذات تفاصيل دقيقة، وسرد مدروس جيدًا. تتمتع رسوم تحريك هذه الأفلام بأعلى جودة، وحتى لو قمنا -فرضاً- بإلغاء الحوارات الآسرة والأداء الصوتي المميز، فإنها -أي الرسومات- تبقى قادرةً على نقل المشاعر والمعاني إلى الجمهور!

استوديو غيبلي سرعان ما أصبح عنصرًا أساسيًا لعشاق الرسوم المتحركة بجميع أنحاء العالم بسبب مدى الحرص الشديد والعناية التي تُبذل في كل مشروع. حتى أن صانعي الأفلام الذين يعملون باستوديوهات شهيرة مثل ديزني وبيكسار يشيرون إلى خصائص كل فيلم على حدة كمصدر إلهام لهم. يطلق على هذه الظاهرة “تأثير غيبلي”. حيث  استطاع استوديو ياباني واحد أن يكسر تقاليد الرسوم المتحركة. ويبتكر طريقة جديدة لإنتاج القصص كوسيلة فنية وليست كوسيلة لجني الأرباح.

إلى جانب إنتاج بعض أعظم أعمال السينما ، يُظهر استوديو غيبلي تقديره لموظفيه من خلال معاملتهم بشكل جيد. وفقًا لموقع Glassdoor، يبلغ متوسط راتب رسام تحريك في غيبلي أكثر من 50 ألف دولار أمريكي سنويًا. ولم يُبلغ أبدًا عن قيام الشركة باستغلال موظفيها. مع مبلغ المال الذي يكسبه غيبلي مقابل أفلامه الممتازة. فلا عجب في قدرتهم على دفع رواتب جيدة لموظفيهم، لكن اختيار القيام بذلك لا يزال يعتبر تعزيزا آخر لجاذبية الاستوديو. 

لقد أثبت استوديو غيبلي نجاحه في إمكانية استخدام الرسوم المتحركة بشكل فني لإنشاء مجموعة متنوعة من القصص الآسرة لجميع الأعمار. 

كيف اشتهر استوديو غيبلي؟

ارتبط اسم استوديو غيبلي، ببعض أفلام الأنمي الأكثر شهرة داخل اليابان وخارجها. وقد عزّز ذلك أكثر الموسيقى التصويرية الرائعة التي لا تخيب أمل المشاهدين أبداً. والقصص التي تخلد بالذاكرة بعد مشاهدة فيلم أنمي من إنتاج استوديو غيبلي.

الدعامة الرئيسية لشعبية استوديو غيبلي هو اهتمامه الكبير بالتفاصيل واختياره لموضوعات فريدة للغاية كنقطة محورية بالإضافة إلى جودة إنتاجه العالية بشكل عام. ومع ذلك، تتميز العديد من استوديوهات الرسوم المتحركة الأخرى أيضًا بهذه العناصر. فلماذا يبرز استوديو غيبلي على وجه الخصوص؟!

ما هي الأسباب التي تجعل استوديو غيبلي مميزاً إلى هذا الحد؟

أولاً: تحقيق التوازن بين الخيال والواقع

تستخدم أفلام غيبلي مفهوم الواقعية الغامرة حيث يوجد توازن بين عناصر الخيال والواقع. على سبيل المثال، يوظف فيلم Kiki’s Delivery Service (كيكي لخدمة التوصيل) الذي أنتج عام 1989 المعروف سابقًا باسم “ماجو نو تاكيوبين” عناصر من النسوية. من خلال تصوير كيكي (وهي ساحرة) كشخصية قوية الإرادة وكيف تتغلب على التحديات التي تواجهها (تجري أحداث فيلم كيكي لخدمة التوصيل في مدينة كوريكو المستوحاة من السويد حيث كانت محاكمات الساحرات شائعة في ذلك الوقت). تنجح هذه العناصر النسوية التي تُظهر كيف تتحول كيكي إلى مفكرة مستقلة. بالإضافة إلى المؤثرات البصرية المذهلة، في جذب انتباه المشاهدين إلى حد كبير.

العرض التشويقي لأنمي “كيكي لخدمة التوصيل”

ثانياً: تقدير جمال الطبيعة

ملصق دعائي لأنمي بونيو من إنتاج استوديو غيبلي
ملصق دعائي لأنمي بونيو من إنتاج استوديو غيبلي

تهتم أفلام غيبلي دوماً بعدم التقليل من جمال الطبيعة وما تقدمه. حيث يتم ذلك عن قصد لتسليط الضوء على جمال العالم. وكيف ينبغي تقدير جمال الطبيعة بكافة أحوال الطقس على أكمل وجه. يُعد فيلم “بونيو” (2011) مثالًا ممتازًا. لأنه أفضل فيلم من استوديو غيبلي يوضح مدى حرص هذه الأفلام على عدم تحويل الطبيعة إلى خلفية ضبابية. وكيف تظل الطبيعة دائمًا في المقدمة. يتميز فيلم “بونيو” بمشاهد طبيعية خلابة. وهو أنمي واقعي أيضاً لأنه يعرض الجوانب المظلمة للطبيعة من خلال تسليط الضوء على التلوث وغيره.

ثالثاً: معالجة قضايا مهمة

تحظى أعمال الأنمي بالتقدير لجهودها في عرض معانٍ أعمق، والعديد منها سابق لعصره. كما تشتهر أفلام غيبلي على وجه الخصوص بهذا العنصر، وهذا بلا شك من أفضل العناصر التي تقدمها.

كما أنها تتعامل مع أي شيء يرتبط بخط القصة ويشمل الحب بشكل أكثر نضجا مما تفعله معظم القصص الخيالية الأخرى. فالحب ليس رومانسيا فقط؛ يمكن أن يكون أيضًا صداقة، بين الإخوة، بين الوالد والطفل. إضافةً لمعنى أعمق هنا هو حب الذات.

ملصق دعائي لأنمي قلعة هاول المتحركة
ملصق دعائي لأنمي قلعة هاول المتحركة

فيلم Howl’s Moving Castle الذي أنتج عام 2004، هو أحد الأفلام التي تجسد حقًا مدى عمق أفلام غيبلي. على الرغم من اقتباسه من كتاب يحمل نفس الاسم للمؤلفة “ديانا وين جونز”، يبذل غيبلي جهدًا كبيرًا في إحيائه. إنه فيلم مناهض للحرب (وهي قضية جوهرية يتناولها الفيلم)، لكنه أكثر من ذلك أيضًا. يأخذ الفيلم البطلة “صوفي” في رحلة حب الذات بعد أن تحولت إلى امرأة عجوز بسبب لعنة. مما لا يساعد على عقدة النقص التي تعاني منها أصلاً. تتعلم استخدام شيخوختها كدليل على الحكمة وتنمو لتقدير الأشخاص المحيطين بها، وتحب هاول (الحب الرومانسي) وماركل وكالسيفير (الحب العائلي).

تأثير استوديو غيبلي على ثقافة الأنمي بشكل عام

أصبح استوديو غيبلي جزءاً لا يتجزأ من الأنمي وما يعنيه تقدير الأنمي الياباني. فلا يمكن فصل استوديو غيبلي أو عزله. لأن أفلام غيبلي تلعب دوراً فعالًا في الاتجاه الذي يتخذه الأنمي الياباني وسيستمر على هذا النحو بالمستقبل.

دور استوديو غيبلي في الثقافة الشعبية – وخاصة بالنسبة للأجانب – هو أنه مختلف تمامًا عن استوديوهات أخرى تحظى بشعبية كبيرة مثل ديزني وبيكسار (اللذان يتعاملان أيضًا مع الخيال). إن تركيز غيبلي على المعاني العميقة والرسالة النهائية التي يوجهها للجمهور هو ما يجعل أفلام غيبلي المفضلة لديهم.

استوديو غيبلي ومستقبل الأنمي

منذ إنتاج فيلم “となりのトトロ” (توناري نو توتورو) أو “جاري توتورو” (1988) ، الذي حطم الحدود العالمية لنشر الأنمي، يستمر استوديو غيبلي في الظهور كأسلوب لسرد القصص اليابانية. لا يقتصر دورهم على إلهام الأفلام الأخرى فحسب، بل يمهدون الطريق أيضًا لأفلام غيبلي المستقبلية لمواصلة هذا الإرث، بفضل النجاحات السابقة.

حتى لو حان وقت يتوقف فيه غيبلي عن إنتاج أفلام جديدة، سيظل الاستوديو يلعب دورا رئيسيا في تعزيز الدور الذي يلعبه الأنمي في تجاوز الحدود. تجمع هذه الأفلام أشخاصا من خلفيات مختلفة معا حيث يقدرون جميعا بشكل مشترك الجمال الذي يمثله استوديو غيبلي بحد ذاته والجمال الذي يقدمه ماضياً وحاضراً.. ومستقبلاً.

اقرأ أيضاً: أشهر 10 أعمال أنمي من إنتاج استوديو غيبلي ننصح بمشاهدتها.

اقرأ أيضاً: عندما رفض هاياو ميازاكي استلام الأوسكار احتجاجاً على حرب العراق

انضم الآن مجاناً لتصبح عضواً متميزاً في مجلة اليابان للحصول على آخر المستجدات والأخبار من الموقع. مع العديد من العروض والمفاجآت! (اضغط هنا)

5 1 vote
Article Rating

اكتب تعليقًا

0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x