تحظى اليابان الآن بإنتباه عالمي كبير؛ ربما أكثر من أي وقتٍ مضى في تاريخها الحديث بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك لأسباب عدة أبرزها، اقتراب الألعاب الأولمبية الصيفية والتي ستقام في طوكيو في عام 2020. وبسبب الفروقات الثقافية العديدة بين اليابان والشرق الأوسط (أو الدول الغربية بشكلٍ عام) والاختلاف اللغوي الكبير، تبرزُ من وقتٍ لأخر خرافات عن اليابان، إشاعات وأخبار زائفة كثيرة عن بلاد أصل الشمس نتيجة سوء الفهم الثقافي أو ضعف المعرفة عن هذه الدولة، أو ببساطة من أجل جمع التفاعل بأسهل طرق ممكنة حتى على حساب تضليل الناس على الإنترنت! وسيناقش هذا المقال أبرز تلك الإشاعات والأكاذيب.
حيث تسعى مجلة اليابان (The Nippon Times) كأكبر مبادرة يابانية عربية مستقلة بجهدٍ واسع على تفنيد مثل تلك الإشاعات والخرافات منذ إنطلاقها في عام 2014 وحتى اللحظة، ونقل صورة اليابان الواقعية بطريقة حيادية من أجل ضمان صحة وموثوقية المعلومات باللغة العربية عن اليابان وإثراء المحتوى العربي عن هذا البلد بعيداً عن الصور النمطية الخاطئة المتعارف عليها. إليكم أبرز خمسة خرافات عن اليابان (الجزء الأول):
1- اليابان تمتلك مطعماً يبيع لحوم البشر!
الخرافة (الخبر الكاذب): انتشرت خرافة عن اليابان في عام 2018 (وحتى الآن) في المحتوى العربي على موقع فيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، مفادها أن اليابان افتتحت مطعماً يبيع لحوم بشرية في طوكيو! وهو أول مطعم من نوعه على الإطلاق ويدعى “كل أخاك” أو “أخاك الأكول” أو “أخاك القابل للأكل” وإلى أخره، وتستمر الخرافة بالقول أن المطعم مرخص من الحكومة اليابانية وبأن الحكومة اليابانية مررت قانوناً في عام 2014 يسمح بأكل لحوم البشر في اليابان، وبأن هناك شخصاً أرجنتينياً جرب الأكل فيه وسعر الطبق يتراوح بين الـ100 يورو والـ1000 يورو!
الحقيقة: بدأت هذه الخرافة بالانتشار منذ عام 2016 عبر مقال إسباني ساخر نشره موقع يدعى “La Voz Popular” معتمداً على حملة إعلانية للعبة “Resident Evil 6” تم نشرها في يوم كذبة أبريل (1 أبريل/نيسان 2016) تقول بأن اليابان افتتحت مطعماً للنودلز يقدم لحوماً بشرية وذلك من أجل التسويق للعبة بهذه الطريقة الغريبة كونها تتناول قصة ومحتوى يتحدث عن الزومبي وأكل لحوم البشر.
وفي عام 2017 نشرت العديد من المواقع المكسيكية والإنجليزية هذه الخرافة مع إضافة المزيد من التفاصيل عليها لفبركة الأمر. وثم انتقلت هذه الخرافة إلى المحتوى العربي في نهاية عام 2017 وحتى الآن، ونشرت على منصات عربية شهيرة جداً تابعة لمحطات فضائية “مرموقة”!! دون التحقق من مصدر الأمر مطلقاً. وفي الواقع أنه لا يوجد مطعم مماثل في طوكيو ولا في أي منطقة من اليابان يقدم لحوم البشر، وأن لحوم البشر ممنوعة الاستهلاك في اليابان، ولم تقم الحكومة اليابانية بتمرير مثل هذا القانون الذي يسمح باستهلاك لحوم البشر في عام 2014، ولتأكيد الأمر أكثر، قمنا بالتواصل مع عدة جهات رسمية أكدت لنا زيف وكذب هذه الخرافة.
2- من يهين معاقاً في اليابان يسجن 5 سنوات
الخرافة (الخبر الكاذب): انتشرت الكثير من الإشاعات والخرافات في السنوات القليلة الماضية تدعي أن في اليابان قانوناً يحكم بالسجن لـ5 سنوات كاملة على من يهين أو يسخر من معاق أو ذي احتياجات خاصة! ونشرت هذه الخرافة الكثير من الصفحات العربية المشهورة بلا مصادر وهي ملتصقة حتى الآن في أذهان الكثيرين.
الحقيقة: لا يوجد قانون مماثل في قانون العقوبات الياباني “كيهوو” (刑法 Keihō) والذي تم نصه في عام 1907 والتعديل عليه بعد الحرب العالمية الثانية.
3- عامل النظافة يكسب 8000 دولار في اليابان
الخرافة (الخبر الكاذب): تنتشر الكثير من المعلومات المغلوطة والخرافات عن أن أولئك الذين يعملون في خدمة التنظيف والخدمات العامة في اليابان (يدعون بمنظفي الصحة وفق الخرافة) ينالون رواتباً خيالية تتراوح بين 5000 إلى 8000 دولار أمريكي! وكانت هذه الخرافات موجودةً في أذهان البعض منذ وقت طويل وبدأت بالانتشار في الأصل باللغة الإنجليزية منذ ثمانينيات القرن الماضي وما قبلها بعد أن حققت اليابان نمواً اقتصادياً كبيراً نتيجة ما يدعى بالمعجزة الاقتصادية اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية، وتم تعزيز هذه الصورة النمطية الخاطئة في برنامج “خواطر 5” من تقديم الإعلامي السعودي أحمد الشقيري والذي زار اليابان لإفادة متابعيه. ومن غير المهم إن هذا الأمر تم نقله من قبل هذا الإعلامي المعروف عن طريق الخطأ أم لا، والأجدر بالتركيز عليه هو تكذيب هذه الإشاعة والصورة النمطية فحسب.
الحقيقة: لا يطلق لقب مهندس صحة على عامل النظافة في اليابان، ووفق بيانات مكتب الإحصاءات القومي التابع لوزارة الشؤون الداخلية والاتصالات اليابانية، فإن مرتب من يعملون في خدمات التنظيف الداخلي أو الخارجي يصل حتى 156 ألف ين ياباني (نحو 1400 دولار أمريكي). وتنشر مثل هذه البيانات بكلا اللغتين اليابانية والإنجليزية بشكلٍ علني كل عام في ما يدعى “كتيب إحصاءات اليابان السنوي”.
وتقول إحصاءات وزارة الصحة، العمل والرفاه اليابانية أن الحد الأدنى من الأجور في العاصمة طوكيو يتراوح بين 958 يناً و 1000 ين ياباني في الساعة الواحدة (نحو 7 إلى 8 دولارات أمريكية) ويختلف هذا الحد الأدنى باختلاف المهنة. بينما يبلغ متوسط (معدل) الأجور الشهري في طوكيو (باختلاف المهن) نحو 325 ألف ين شهرياً (نحو 3000 دولار أمريكي شهرياً). و وفق هذه المصادر الرسمية فإن ما يذكر محض خرافات، حيث لا يقبض المنظف هذا المرتب الخيالي مطلقاً. ومن الجدير بالذكر أن اليابان دولة غنية ومتوسط المرتبات فيها مرتفع تناسباً مع ثمن المعيشة، ومرتب 1400 دولار أمريكي لمنظف يعتبر كبيراً للبعض في دول أخرى ولكنه عادياً في اليابان.
4- لا شيء يضيع في اليابان، مطلقاً!
الخرافة (الخبر الكاذب): تقول الخرافة أن اليابانيون شعبٌ أمينٌ جداً ولا يضيع شيءٌ لديهم على الإطلاق! ومثل هذه الادعاءات والخرافات تعزز الصورة النمطية الخاطئة عن اليابان وتجعل من الناس يبالغون في المدح والتعظيم بدون مبررات واضحة.
الحقيقة: تمتلك اليابان نظاماً معقداً ومتقدماً للحفاظ على الأمانات، ولكن نسبة نجاحه 70% فقط وليس 100% كما ناقشناه بالتفصيل في مقالنا التالي وفق قسم المفقودات التابع لشرطة العاصمة طوكيو: هل حقاً “لا شيء يضيع في اليابان”؟ | بين الحقيقة والخيال
5- ينال المعلم الياباني إجلال الإمبراطور
الخرافة (الخبر الكاذب): تقول الخرافة المنتشرة كثيراً، أن إمبراطور اليابان قد سُئل عن سبب تقدم بلاده، وأجاب بأن اليابان أعطت المعلم راتب الوزير، حصانة دبلوماسي، وجلالة إمبراطور!
الحقيقة: في البداية، يعتبر الإمبراطور الياباني رمزاً لوحدة الشعب وفق الدستور، ولا ينال أي شخص مقاماً أو احتراماً يوازيه في الثقافة اليابانية مهما كان مهماً. ولم يثبت مثل هذا الاقتباس عن أي إمبراطور ياباني، لأن الإمبراطور لا يتحدث إلى الصحافة إلا في حالات نادرة جداً ومناسبات رسمية (بشكل غير مباشر) بل يقوم بمخاطبة الشعب فقط، ويتم التواصل مع الإعلام الياباني عبر وكالة البلاط الإمبراطوري التي تهتم بشؤون العائلة الإمبراطورية في اليابان منذ آلاف السنين. والجانب الأخر هو أن وفق وزارة العمل اليابانية فإن مرتب المعلمين يتراوح بين 2000 إلى 3000 دولاراً أو أكثر أحياناً حسب الدرجة العلمية والوظيفية لذلك المعلم. ويعد المعلم الياباني من أكثر المعلمين إنشغالاً في العالم كما ناقشنا في مقالنا عن هذا الأمر (اضغط هنا للقراءة). لذلك هذه مجرد خرافة وكلام عابر دون أدلة وبراهين وهو كل ما يجب أن يقال عن الأمر.
الخلاصة
تفنيد الإشاعات والـ خرافات عن اليابان أمرٌ مهم لتجنب إعاقة التبادل الثقافي السليم أو تجنب المبالغة في المدح والذم لدولة تعتبر صديقة وقريبةً من أذهان وقلوب الكثيرين من العرب منذ طفولتهم. و تُنتج ما يعرف علمياً بالصدمة الثقافية “Culture shock” وفيها يُصدم الشخص بمعرفة جديدة عن ثقافةً ما كان يجهلها من قبل. وفي بعض الحالات تنتج هذه الصدمة مشاعر سلبية أو كراهية غير مبررة لدولة ما، بعد أن يظن المصاب بها أنه تم خداعه والتلاعب بأفكاره بمثل هذه الأكاذيب. وسنعود بجزءٍ ثان قريباً لتكذيب المزيد، وسيحتوي على خمسة خرافات عن اليابان أيضاً.
مراجع مستخدمة في هذا المقال: مكتب الإحصاءات القومي الياباني – وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات اليابانية – وزارة الصحة، العمل والرفاه اليابانية – وكالات إخبارية يابانية
صورة المقال الأصلية: لحم الساشيمي الياباني (وجبة تقليدية تشبه السوشي)، عبر موقع 123rf.com
من الجيد تفنيد الاشاعات التي تضر بحقيقة البلد وخصوصا الكاذبة منها بطريقة مسيئة جدا.
لماذا توجد مثل هذه الشائعات ما الهدف منها ولماذا يفعلون ذلك هذا أمر سيئ
إنه لمن الجيد أن المجلة اليابانية وضحت هذه الشائعات الكاذبة
من السخيف حقا نشر شائعات لايوجد لها أساسمن الصحة ❤️
أعتقد.ان كل دولة لها مميزاتها وعيوبها ولكن يمكن أن تغطي ميزاتها على عيوبها وبالأخص اذا كانت تقدم العديد من المنفعة للبشر
أحببت هذا المقال لانه يحتوي على الحقيقة فقط
هل هناك من سيصدق فعلا بان اليابان تحوي مطعما للحوم البشرية؟ دعاية كاذبة وفاشلة حقا
وسائل تواصل اجتماعي وخصوصا منصه تويتر ساهمت بشكل كبير في نشر الاخبار المغلوطه عن اليابان
مهما كانت الدولة رائعة لايجوز تزييف حقائقها، المعظم يقوم هذا من اجل كسب التفاعل فقط