الذكاء الاصطناعي بمواجهة نقص العمالة في اليابان

الذكاء الاصطناعي بمواجهة نقص العمالة في اليابان
الذكاء الاصطناعي بمواجهة نقص العمالة في اليابان

يتقلص عدد السكان في اليابان مما يعني نقصاً في العمالة. ويأمل الكثيرون أن يتمكن الذكاء الاصطناعي (AI) من تعويض هذا النقص. وفي بلد يُعرف بأنه مهووس بالسعي نحو الكمال، يصعب حتى بيع الخضار والفاكهة التالفة أو المشوهة بالأسواق. وهذا الأمر نفسه ينطبق على صانعي الفطائر الشعبية في اليابان. مثل Osaka Ohsho فإن بيع عبوة غيوزا بها بعض التلف يعتبر أمراً غير مقبول على الإطلاق. ولكن مع ارتفاع الطلب خلال جائحة كورونا، لم يكن لدى الشركة الأم  (Eat & Holdings)، ما يكفي من القوى العاملة للتحقق من كل قطعة على حدة، أو حتى مواكبة الطلب المتزايد!

لذلك لجأت إلى التكنولوجيا للتغلب على التحديات. وفي شهر يناير من العام الماضي 2023، افتتحت الشركة مصنعاً عالي التقنية مجهزاً بكاميرات تعمل بالذكاء الاصطناعي مدربة على اكتشاف أي قطعة معيبة من الفطائر خلال مرورها في خطوط الإنتاج. واليوم، ينتج هذا المصنع قطعتي فطائر كل ثانية. وهذا ضعف سرعة مواقع إنتاج Osaka Ohsho الأخرى. وتقول المتحدثة باسم الشركة “كيكو هاندا”: “من خلال تطبيق الذكاء الاصطناعي، قللنا القوى العاملة على خط الإنتاج بنسبة 30% تقريبًا”.

كما أطلقت الشركة مؤخرًا روبوت للطبخ يعمل بالذكاء الاصطناعي يُسمى I-Robo في أحد مطاعمها في طوكيو. وبما أن تدريب الطهاة يستغرق وقتاً، تقول الشركة إن التكنولوجيا ستساعد في معالجة مشكلة نقص العمالة. 

يمكن مشاهدة المزيد من الروبوتات اليابانية المتخصصة بالطهي في هذا المقطع (باللغة الإنجليزية):

مشكلة نقص العمالة المتفاقمة في اليابان

يبلغ عدد السكان في اليابان حالياً نحو 124.35 مليون نسمة، وهذا العدد في حالة تناقص منذ 13 عامًا. ومن المتوقع أن تستمر القوى العاملة في اليابان في الانخفاض بنسبة 12% من عام 2022 إلى عام 2040. حيث يُقدر أنه بحلول ذلك الوقت سيفتقر البلد إلى 11 مليون عامل.

وفي غضون ذلك، يضم ثاني أكبر اقتصاد في آسيا أكبر عدد من السكان المسنين في العالم. حيث تبلغ نسبة من هم فوق سن 65 أو أكثر نحو 30%. كما أن اليابان لديها واحدة من أدنى معدلات المواليد في العالم، حيث لم يولد سوى 758,631 طفلاً في عام 2023. وهذا هو أقل عدد منذ بدء حفظ السجلات في القرن التاسع عشر. ولم تلقَ جهود الحكومة لتعزيز معدلات المواليد نجاحًا يذكر. ومنذ بدء التفشّي المفاجئ لتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعدد استخداماته حول العالم، تساءل الكثيرون عما إذا كانت وظائفنا ستُسرق. ولكن بالنسبة للبعض في اليابان، فإنهم يتمنون أن يصل الذكاء الاصطناعي لمرحلة يستطيعون من خلالها توظيفه لتعويض النقص الحاصل بالعمالة في أنحاء البلاد.

جانب من الاستخدامات التقنية بمجال الزراعة في اليابان
جانب من الاستخدامات التقنية بمجال الزراعة في اليابان

الزراعة هي واحدة من أسرع القطاعات شيخوخةً باليابان، حيث يبلغ متوسط عمر المزارع الياباني الآن 68.4 عاماً. وهنا يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد أنواعاً مختلفةً من الأمراض والآفات والحشائش من أجل الكشف المبكر والوقاية. وقد طورت شركة Nihon Nohyaku، (نيهون نوهياكو) التي تصنّع المواد الكيميائية الزراعية، تطبيقًا للهاتف الذكي يسمى Nichino AI (نيتشينو أيه آي). وعندما يلتقط المزارع صورة للمحاصيل التي تعاني، يعطي التطبيق تشخيصًا للمشكلة والمبيدات التي قد تكون ضرورية للاستخدام.

ويقول “كنتارو تانيجوتشي” من شركة Nihon Nohyaku: “معدل الدقة حوالي 70 إلى 80%  لذلك فهو ليس جيداً مثل الخبراء الحقيقيين، ولكنه أفضل من المزارعين العاديين”.

ويوضح: “كلما عملنا على هذا التطبيق لفترة أطول، كلما أدركنا مدى جودة الخبراء البشريين. ولكن عدد الخبراء يتناقص، لذلك تأتي أدوات الذكاء الاصطناعي في متناول اليد”.

ويتفق المزارع “كينسوكيه تاكاهاشي”، الذي يستخدم التطبيق منذ 3 سنوات، على أن الذكاء الاصطناعي هو أحد الأدوات التي ستساعد على تحديث القطاع الزراعي. ويقول: “يتناقص عدد المزارعين بشكل كبير، ولكن إجمالي إنتاج اليابان من المحاصيل في ازدياد.” كما يعترف السيد “تاكاهاشي” بأن هناك مزارعين مسنين قد يشككون في أي تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي، لكنه يعتقد أنها تساعد في زيادة مستويات الكفاءة. ويضحك قائلاً: “بمجرد أن تجرب طائرة مسيّرة لرش المبيدات، لا يمكنك العودة إلى الرش اليدوي”.

قطاع التعليم في عين العاصفة

ماذا عن قطاع يعاني دوماً من نقص المدرسين للغة الإنجليزية؟ على الرغم من جهود الحكومة المستمرة لزيادة عدد الناطقين باللغة الإنجليزية، إلا أن اليابان تحتل مرتبة متدنية في إتقان اللغة الإنجليزية، بسبب نقص المعلمين القادرين على التحدث باللغة الإنجليزية بشكل فعّال. وفي محاولة للتغلب على هذا النقص، قامت شركة ناشئة تسمى (إيكومينوبوليس) Equmenopolis بتطوير أداة عبر الإنترنت تعمل بالذكاء الاصطناعي تسمح للمستخدمين بإجراء محادثات باللغة الإنجليزية مع رمز خاص بها لمدة ربع ساعة في كل جلسة. وقد تم حتى الآن تقديمها في 50 مدرسة في جميع أنحاء البلاد. ويحصل الطلاب في نهاية كل محادثة على ملاحظات في 6 مجالات تشمل النطق والنحو والطلاقة والمفردات. وهذا ما يسهّل على الطلاب معرفة نقاط ضعفهم من أجل تحسين مهاراتهم وقدراتهم وتطويرها بشكل مستمر.

شركة Equmenopolis تستخدم الذكاء الاصطناعي في التعليم
شركة Equmenopolis تستخدم الذكاء الاصطناعي في التعليم

ولكن على الرغم من كل ما سبق، يؤكد مدير أحد المدارس في اليابان “كاتسوتوشي فوكوميزو” أن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه أن يحلّ محل المعلمين البشر، ولا ينبغي للذكاء الاصطناعي أن يحلّ محل دروس اللغة الإنجليزية في المدرسة أو المعلمين”.

تواجه السلطات المحلية في اليابان أيضاً تحدي نقص العمالة. في مدينة يوكوسوكا بمحافظة كاناغاوا، تم البدء باستخدام روبوت المحادثة بالذكاء الاصطناعي ChatGPT (تشات جي بي تي) للمساعدة في المهام الإدارية مثل نسخ و تلخيص الاجتماعات. ويقول المتحدث باسم المدينة “كوهي أوتا”: “نحن نتعامل مع كمية هائلة من الوثائق، ويستغرق إنشاؤها وقتًا وجهدًا كبيرين”. وأضاف: “بفضل ChatGPT، حسبنا بعد التجربة أننا نوفر 22700 ساعة عمل سنويًا”. وفي الوكالة الرقمية للحكومة الوطنية، التي تم إنشاؤها في عام 2021 للتغلب على عدم الكفاءة في الإدارة العامة، يتم أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي لتدريب الموظفين.

يقول “ماسانوري كوسونوكي” من الوكالة: “هناك الكثير من الأشياء التي نريد القيام بها، لكن القوى العاملة لدينا لم تكن قادرة على مواكبة ذلك”. وأضاف أن الحكومة تحاول “استكشاف كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي ونشر المعلومات” إلى القطاع الخاص. ولكن السيد “كوسونوكي” لا يعتقد أن تطور الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى الحاجة إلى عدد أقل من العمال. 

في بلد تسير فيه التغييرات ببطء، تعتمد اليابان على قوة الذكاء الاصطناعي بوتيرة أقل مقارنةً بالدول الأخرى. وذلك لأنها بحثت في كل حل ممكن لمواجهة مشكلة الازدواجية المتمثلة في شيخوخة السكان وتقلص عددهم لأكثر من عقد من الزمن، بدءاً من الروبوتات إلى النساء والمسنين والعمال الأجانب. وفي حين أن الذكاء الاصطناعي قد يساعد على زيادة كفاءة القوى العاملة، فهو لن يتمكن من أن يحل محل العمال البشر في أي وقت قريب. ولكن ما يزيد الطين بلّة هو انخفاض قيمة عملة الين الياباني مقابل الدولار الأمريكي كما حصل في الآونة الأخيرة لأدنى مستوى للعملة على مدار أكثر من 30 عاماً. مما يشكّل ضغطاً متزايداً بسبب عزوف العاملين الأجانب عن العمل في اليابان بسبب الانخفاض التاريخي لقيمة الين.

اقرأ أيضاً:
مؤسس سوفت بانك: اليابان متخلفة بالذكاء الاصطناعي!

مزارعون يابانيون يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحصاد محاصيلهم

المصادر:

1 – موقع هيئة الإذاعة البريطانية

2 – هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية

3 – موقع JapanToday

4 – شركة Equmenopolis 

0 0 votes
Article Rating

اكتب تعليقًا

0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x