تعتبر وكالة اليابان للتعاون الدولي (جايكا – JICA) نقطة تلتقي فيها جهود التعاون، وتعكس التزام اليابان المعني بتعزيز التنمية العالمية. لعبت «JICA» دوراً حيوياً وفعالاً في تشكيل مسار العديد من الأمم عن طريق توسيع خبرتها العلمية، والصناعية، ومواردها البشرية، واقتصاداتها.
يتناول هذا المقال تاريخ الوكالة، ويستكشف أصولها ودافع إنشائها. كما يلقي الضوء على دور «جايكا» المهم في نمو اليابان من الناحية السياسية والاقتصادية. وأخيراً، يكشف المقال تأثير الوكالة على المسرح العالمي، مع التركيز بشكل خاص على بعض إسهاماتها في البلدان العربية.
نشأة جايكا
مرت اليابان بين الخمسينيات والسبعينيات بمعجزة اقتصادية دفعتها لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة في حينها. على الرغم من الدمار الكامل الذي شهدته البلاد إبان الحرب العالمية الثانية.
أعادت اليابان بناء اقتصادها ومجتمعها بصورة مذهلة وسريعة أثارت دهشة العالم أجمع. حيث بدأت البلاد خلال عصر نهضتها بتصور مستقبل أوسع لها على المسرح الدولي. وفي عام 1974 تم إنشاء وكالة «جايكا»، على خلفية إدراك الحكومة اليابانية ضرورة اتخاذ نهج أكثر تنظيماً وشمولاً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية حول العالم.
أبرز دوافع إنشاء جايكا: تنمية دون تدخلات تحترم الاستقلال والسيادة
كان إنشاء «جايكا» مستوحى من رغبة اليابان بالمساهمة في استقرار العالم وتحقيق السلام عبر التنمية في قارة آسيا خاصة والعالم عامة. وذلك بعد أن أثبتت الحكومة اليابانية قدرتها على تحقيق المستحيل خلال عقود قليلة.
كانت «جايكا» الأداة التي استخدمتها اليابان لمشاركة خبراتها في مجالات التكنولوجيا، وتطوير البنى التحتية، وتنمية الموارد البشرية، مع الدول التي تواجه تحديات مماثلة.
لم تكن «جايكا» مشروعاً إنسانياً للتكفير عن ذنوب الماضي وحسب؛ بل كانت تعكس إيمان اليابان الجديد، بأن تعزيز الازدهار العالمي كان ضرورياً لأمنها ورفاهيتها الخاصة. بالأخص بعد أن تسبب النظام المتطرف خلال الحرب العالمية الثانية بآلام عظيمة للدول المجاورة.
ومن الناحية الاقتصادية والاجتماعية كان هدف إنشاء «جايكا»، يتمحور حول تعزيز التعاون الدولي من خلال تقديم المساعدة للدول النامية في مجالات متنوعة. بما في ذلك التعليم، والرعاية، والصحة، والتكنولوجيا وغيرها الكثير.
وتجدر الإشارة إلى أن مبدأ وكالة «جايكا» الأساسي يؤكد على أهمية العمل الذاتي والاستدامة والاستقرار لدى الدول النامية. وهي الغاية الأخيرة التي تسعى لها الوكالة عند تقديم دعم اليابان الكامل للدول التي تعاني من مشاكل مختلفة.
حيث عبر تمكين تلك الدول، ستصبح قائمة بحد ذاتها وبالتالي يمكنها المساهمة في ما بعد في رفع اقتصادات دول أخرى تجاورها وتنشر المزيد من التأثير الإيجابي.
ويمكن تلخيص الأمر بفكرة المنفعة المتبادلة ولكن على نطاق واسع جداً. إذ تسهل الوكالة نمو الدول النامية، وتساعد الشركات اليابانية الكبرى على إنشاء البنى التحتية. وفي المقابل تكُون تلك الدول بسبب مساعدات اليابان المباشرة، علاقات طويلة الأمد مع الشعب الياباني، وتساعد في نهضة دول أخرى واستمرار نمو الاقتصاد الياباني نفسه.
ومن الجدير بالذكر هنا، أن جهود «جايكا» لاقت ترحيباً كبيراً في الدول النامية، بسبب إيمان الوكالة العميق في استقلال تلك الدول، واحترامها لسيادتها. حيث لم تفرض الوكالة نفسها على أي دولة، وكانت تحترم دوماً رغبات البلدان المختلفة بما يتماشى مع الأهداف المشتركة الإنسانية والاقتصادية.
أبرز مساهمات الوكالة
في نمو اليابان وسياستها الخارجية
كان لوكالة اليابان للتعاون الدولي دور كبير في إظهار قوة اليابان السياسية والدبلوماسية على المسرح الدولي. حيث أصبحت الوكالة عاملاً حيوياً في توطيد علاقات اليابان مع الدول الأخرى من خلال المساعدات.
وساهمت «جايكا» في إنجاز مئات المشاريع الاستراتيجية والاقتصادية التي ما زالت قائمة حتى الحاضر في الدول النامية. وهو ما خلق حركة اقتصادية وسعت شبكات التجارة اليابانية وزادت تأثير الدبلوماسية اليابانية حول العالم.
وبالإضافة لذلك، حصلت اليابان على شراكات جديدة وبالتالي على أسواق قيمة لسلعها وخدماتها. وساهمت في رفع اقتصاد الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا والعديد من دول جنوب شرق آسيا بعد فترة الحرب العالمية الثانية.
الإسهامات في العالم العربي
ساهمت مشاريع الوكالة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في رفع وطأة المعاناة عن ملايين الأبرياء على مدار العقود الماضية، ومكافحة الفقر والحرمان الاقتصادي. كما ساهمت في تعزيز البنى التحتية وخلق فرص عمل جديدة للشباب.
- في فلسطين: ساهمت اليابان من خلال «جايكا» على إعادة إعمار الأراضي المحتلة في فلسطين بعد كل عدوان إسرائيلي غاشم. كما قدمت اليابان خبراتها في البنى التحتية، من أجل بناء المستشفيات والمدارس. ومنحت أكثر من مليار دولار حتى عام 2022 لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجروا من منازلهم بسبب الاحتلال.
- في الجزائر: تبدي اليابان اهتماماً متزايداً في الجزائر بسبب العلاقات الوطيدة بين البلدين منذ عقود. حيث استثمرت الملايين في الاقتصاد الجزائري كما قدمت العديد من المنح المالية التي ساهمت في إنجاز مشاريع وطرق متعددة يعتمد عليها الجزائريون في الحاضر. كما طرحت اليابان مبادرة في عام 2023 لتحويل العديد من الولايات في الجزائر إلى منصات لإدارة مشاريع استثمارية عملاقة، ستدر بالمنفعة على البلدين.
- في العراق: دعمت اليابان الشعب العراقي من خلال «جايكا» بمشاريع تنموية كثيرة قبل الغزو الأمريكي عام 2003. وتجدد دعم البلاد للعراق بعد الغزو من خلال مجموعة إعادة الإعمار اليابانية العراقية. وركز الدعم على البنى التحتية والقروض المُيسرة ومحاولة إصلاح شبكة الطاقة الكهربائية المتقادمة. وفي الحاضر تسعى اليابان لدعم العراق بصورة أكبر لتحقيق الأمن والاستقرار فيه.
- في اليمن: قدمت اليابان مساعدات مالية لرفع وطأة المعاناة عن اليمنيين تصل لأكثر من 5 مليارات دولار بالتعاون مع دول أخرى. كما ساعدت وكالة اليابان للتعاون الدولي على بناء المدارس والمستشفيات وتقديم الدعم الصحي المناسب للشعب اليمني خلال سنوات الحرب.
ملاحظة: بسبب كثرة مشاريع الوكالة حول العالم وفي الدول العربية والأفريقية، لم نقم بذكرها جميعها.
اليابان معروفة بدورها الايجابي لجميع الدول و نتمنى استمرار الدعم الانساني خاصة المساعدة في اعمار غزة بعد ايقاف الحرب طبعا
كل الاحترام للشعب اليابانى وللحكومة اليابانية شكآ جزيلا من فلسطين غزة