هل تمر البلاد المستضيفة لفعاليات الأولمبياد بمرحلة مؤقتة من الازدهار والانتعاش الاقتصادي؟ أم أنها تشكّل نقطة تحوّل مفصلية في تاريخ البلاد لتدفع عجلة التطور فيها؟ وما هو مدى تأثير الألعاب الأولمبية على تطلعات صنّاع القرار نحو المستقبل؟
كثيرًا ما تطرح هذه الأسئلة عن أهمية الأولمبياد واستضافتها، لكن لابد من التوضيح بدايةً أن الأولمبياد ليست عصًا سحريةً تحوّل البلاد إلى مكانٍ خيالي.. بل إن الأمر يعتمدُ وبشكل أساسي على كيفية تعامل مؤسسات الدولة مع ملف الاستضافة وطرق تنظيمها لفعاليات الأولمبياد. وكذلك مدى جاهزيتها واستعدادها لإدارة المخاطر وإجراء دراسات شاملة ومتكاملة لكل المشاريع المرتبطة بالأولمبياد والتعامل معها بكل شفافية. الشفافية هنا مطلب مهم للغاية لمكافحة الفساد ولمعرفة كيفية إدارة وتوزيع الموارد ضمن الأطر التنظيمية الضامنة لنجاح وسير فعاليات الأولمبياد على أكمل وجه؛ وذلك بعيدًا عن انفراد صانع القرار بقراره.. بل بالاعتماد على توجيهات ذوي الاختصاص بالدرجة الأولى.
الأولمبياد والاقتصاد
بالحديث عن الشق الاقتصادي؛ فإنه وفقًا للميزانية المطروحة بنهاية العام 2020 بلغت التكلفة التقديرية الخاصة بأولمبياد طوكيو نحو 15.4 مليار دولار في عام 2016. بينما بلغت تكلفة إقامة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو نحو 12 مليار دولار أمريكي تقريباً، أما بالنسبة لدورة لندن 2012 فقد بلغت التكلفة ما بين 15 إلى 19مليار دولار تقريباً وفقاً لتقارير صحفية.
رغم أن الأرقام التقديرية المعلنة كانت أقل من ذلك بكثير، ومنطقياً كل دورة أولمبية تزداد تكلفتها مع الوقت ومع تطور التجهيزات وزيادة حجم المنافسات. و يمكن القول أنّ تكلفة تنظيم أي دورة من الألعاب الأولمبية قد يتم التحكم بها وفقاً للبنية التحتية للدولة المنظمة .
كما أن هناك تكاليف مباشرة وتكاليف غير مباشرة لتنظيم مثل هذه الدورات وكلما زاد تقدم الهيكل الاقتصادي للبلد المضيف قلّت التكاليف غير المباشرة لوجود بنية تحتية متطورة وقوية. أما بخصوص التكلفة المباشرة من بناء الملاعب و المنشآت التي تخص الدورة تبقى كأصول ثابتة للدولة حتى بعد انتهاء الدورة.
حكاية الميداليات الأولمبية
كان لابد من تقديم حلول مبتكرة تساعد في خفض التكاليف ومراعاة التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر. ودائماً ما تعطي اليابان دروساً في الابتكار والإبداع وبالتالي كان من المنتظر أن تقدم اليابان ماهو جديد. بلا شك قدمت اليابان نموذجًا في الابتكار من هذه النسخة. ولا يمكن إغفال أن انتشار جائحة كورون أفقدت الدورة جزءًا من رونقها كما أثر ذلك بشكل كبير في تمويل البطولة ونجاحها .
5 آلاف ميدالية هي عدد الميداليات في الدورة مصنوعة من المعادن الثمينة المختلفة. ولكن هذه المرة تم صناعتها بطريقة مختلفة تماماً. حيث صنعت من خلال المعادن المُعاد تدويرها من نحو 79 ألف طن من الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية الأخرى القديمة التي تبرّع بها اليابانيون على مدار عامين تقريباً، وهو ما يعكس حجم المشاركة المجتمعية في اليابان. بالإضافة إلى لفت الأنظار لقضايا البيئة والتنمية المستدامة وهي أول مرة تشهد فيها الدورات الأولمبية مثل هذه الإجراءات. وقد تجاوز عدد الهواتف المحمولة القديمة التي تم استخدامها لصناعة الميداليات 6 مليون قطعة وفقا لما ذكرته وكالة رويترز. حيث تم تجميع حوالي 32 كيلوغرام من الذهب، و3500 كيلوغرام من الفضة، و2200 كيلوغرام من البرونز من أجل تصنيع هذه الميداليات. غالباً ما تحتوي الأجهزة الإلكترونية على بعض المعادن كالذهب والفضة والنحاس يمكن إعادة استخدامها.
وتم اختيار تصميم الميداليات من خلال مسابقة أقامتها اللجنة المنظمة لأولمبياد طوكيو 2020. في مسابقة مفتوحة للمصمّمين المحترفين وطلاب التصميم اجتذبت أكثر من 400 مشاركة وفاز بالمشروع المصمّم “يونيشي كاوانيشي”، وهو مصمّم رسوم متحركة من أوساكا، ويتميز التصميم بأنه يراعي انعكاس الضوء ويسير في عدة اتجاهات. كما تم تطبيق خطوط من السيليكون على سطح الشريط للتعرّف على نوع الميدالية (ذهبية أو فضية أو برونزية) بمجرد لمسها. كما تمّ استخدام ألياف البوليستر المعاد تدويرها كيميائيًا. والتي تُنتج كميات أقلّ من ثاني أكسيد الكربون أثناء عملية التصنيع. وتسمح هذه الأشرطة بدمج ألوان رسومات طوكيو 2020 الأساسية.
وبالحديث عن المواد المصنع منها الشعلة الأوليمبية في طوكيو 2020″ فإن مكوناتها تشمل الألمونيوم المعاد تصنيعه والمستمد من الوحدات السكنية المؤقتة التي أنشئت عقب زلزال 2020، وهي بالطبع رسالة رمزية وبيئية للعالم .
و في القرية الأولمبية تم تدشين مجمع خشبي كبير من الطراز الياباني التقليدي ” فيلاج بلازا ” حيث يحتضن خدمات متنوعة لسكان القرية الأولمبية ” مصارف ومركز طبي ومركز تصفيف شعر والمتجر الرسمي” وتم تجميع هذا المجمع من 63 بلدية يابانية على أن يعاد استخدامه بعد البطولة مرة أخرى! وحتى منصات تتويج الفائزين في البطولة مصنوعة من البلاستيك المعاد تدويره.
وبالتالي فإن هذه النسخة يستحق أن تسمى نسخة صديقة للبيئة تعمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة. فهذه النسخة ليست فقط محط أنظار العالم في المنافسات الرياضية، ولكنها قدمت أفكارًا مبتكرةً وجديدةً لحل المشاكل البيئية وخصوصاً في ظل انتشار جائحة كورونا.
ميرايتووا (Miraitowa) هي تميمة أولمبياد 2020 باللونين الأبيض والأزرق (على شكل رقعة شطرنج)، بينما أطلق اسم سوميتي (Someity) على تميمة أولمبياد ذوي الاحتياجات الخاصة 2020، وهي باللونين الأبيض والوردي. و “ميرايتوا” تعني في اليابانية المستقبل الأبدي و “سوميتي” ترمز لنوع من أزهار الكرز
ولقد قام بتصميم التميمتين المصمم “ريو تانيجوتشي”، الذي فاز في المسابقة التي أقيمت في كافة أنحاء البلاد. وتحددت نتيجتها عن طريق تصويت شارك فيها أكثر من 6 مليون من التلاميذ اليابانيين، وفازت التميمة بأكثر من نصف عدد الأصوات الاجمالية.
الروبوت الذي أدهش الحضور
قامت شركة تويوتا اليابانية للسيارات، بابتكار روبوت عملاق يشبه الإنسان باستطاعته لعب كرة السلة والتسجيل على ارتفاع ستة أمتار، كما يستطيع الروبوت تسديد 10 آلاف رمية حرة على التوالي محققًا رقماً قياسياً دخل به موسوعة جينيس للأرقام القياسية. ويستخدم الروبوت الذي يدعى Cue 3، مجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار لحساب زاوية وقوة التسديدات الصحيحة بالإضافة لامتلاكه محركات يستطيع بها تكرار نفس الحركة بدقة فائقة في كل مرة.
ويستخدم الروبوت “Cue 3” صورة ثلاثية الأبعاد مع أجهزة استشعار ثم يقوم بضبط المحركات داخل ذراعه وركبتيه لإعطاء اللقطة الزاوية الصحيحة ثم يقوم بالتسديد في لعبة كرة السلة.
في النهاية نجد أن الألعاب الأولمبية فرصة لتكاتف المجتمع والشركات كافة من القطاعات الخاصة والحكومية لتقديم الأفضل على الرغم من التحديات والصعوبات التي تواجهها أي دولة عند استضافة الأولمبياد، وأنّ أي هدف أو مشروع تم إنجازه هو ليس فقط من أجل الأولمبياد، إنما من أجل الدولة.. من أجل المجتمع.. ثمرة تقطف ثمارها حتى بعد موسم حصاد الأولمبياد!
الكاتب: محمد محمود عبد الرحيم
باحث ماجستير اقتصاد في كلية الدراسات العليا الإفريقية – جامعة القاهرة
https://www.facebook.com/mr.m.mahmoud/
Image by Viktar Masalovich from Pixabay
الاولمبياد. الخضراء الذكية
هذا مذهل جدا
اوليمبياد طوكيو ٢٠٢٠ منهاستثنائية في كثير من النواحي
افضل أولمبياد تنظيما وجمالا عالميا
ان طوكيو متميزة على الكثير من الاصعدة
شكلها مميز عبر السنوات
حقًا كان الروبوت مدهشًا
نجحت طوكيو في استضافة اولمبياد طوكيو 2020 بنجاح وكان الفعاليات منظمة وابهرت دول العالم
رغم التكلفة المرتفعة للاولمبياد الا ان اداء اليابان التنظيمي كان محكما وجيدا بشهادة الجميع، وخصوصا في استخدام الميداليات من بقايا الهواتف القديمة المعاد تطويرها لدعم النظام البيئي الحديث
اعجبني كثيرا الروبوت CUE3 الذي يستطيع ان يلعب كرة السلة بمهارة عالية ويستطيع القفز حتى حوالي 6 امتار
أولمبياد طوكيو 2020 كان رائعة رغم ظروف الجائحة