محافظة أوساكا.. قلب كانساي النابض
تقع محافظة “أوساكا – Osaka” في بعض الأحيان فريسةً لنفس المفاهيم الخاطئة مثل “طوكيو – Tokyo”، حيث يُعتقد بأنها منطقة حضرية مزدحمة مع القليل من الطبيعة أو الجمال الفطري. ولكن بمجرد خروجك من الأخاديد الحضرية للمدينة التي تحمل نفس الاسم، ستجد مناظرًا طبيعيةً خلابةً حيث لا تزال التقاليد المحلية العريقة سائدة.
وعلى سبيل المثال، يوجد في متنزه “هاتوري ريوكوتشي – Hattori Ryokuchi”، الواقع في مدينة “تويوناكا – Toyonaka”، أول متحف شعبي في الهواء الطلق في اليابان. بالإضافة لذلك، يحتوي المتنزه على مناطق خضراء تمتد على مساحة 36,000 متر مربع، لتأوي 12 بيتاً ريفياً من حقبة إيدو، تعود أصولها التاريخية إلى مناطق بعيدة مثل محافظة “إيواتيه – Iwate” في أعماق الشمال، وإلى محافظة “كاغوشيما – Kagoshima” في الجنوب الدافئ شبه الاستوائي.
يحتوي المتنزه كذلك على بساتين خيزران وغابات أشجار القيقب و الكرز، مسلطة المزيد من الضوء على الجانب الطبيعي لأوساكا الذي قلما يُشاهد في كتيبات الإرشادات المعتادة.
ولا تفتقر أوساكا للجانب التاريخي، إذ لديها مهرجان “كيشيوادا دانجيري – Kishiwada Danjiri” الشهير من حقبة إيدو. ويبدأ المهرجان، الذي يُعقد في مدينة كيشيوادا الصغيرة في شهر سبتمبر من كل عام، كطقوس من أجل طلب حصادٍ جيد في العام الذي يليه، ويتسع بعدها أكثر من ذلك.
ويشمل الآن تقليد جر هيكل محمول وكبير يدعى بــ”ميكوشي” بسرعات عالية، على طول شوارع منشأة “كيشيوادا دانجيري كايكان – Kishiwada Danjiri Kaikan”. ويمكن للزوار التعرف على المزيد حول تاريخ هذا المهرجان من خلال المعارض وعروض الفيديو المُعمقة التي توفرها الجهات المعنية.
مدينة أوساكا.. سمعة عالمية متزايدة
تُعد أوساكا أكبر مدينة في إقليم “كانساي – Kansai” وأحد المراكز التجارية الرئيسية للترفيه والابتكار والطعام الراقي في البلاد، مما جعلها وجهةً دائمة على قوائم المسافرين.
ببساطة، أوساكا مدينةٌ فريدة ومناسبةٌ للمشي أو السفر باستخدام وسائل النقل العامة لكونها مُتصلةً بنظام نقلٍ فعال. وقد أصبحت المدينة منذ مدة طويلة، موقعاً جذاباً للشباب المحترفين والمغتربين العاملين (حيث يقطن فيها 10 في المئة من المقيمين الأجانب في اليابان).
وتماشياً مع عالميتها المتزايدة وسمعتها المتصاعدة، من المقرر أن تستضيف مدينة أوساكا في إقليم كانساي غرب البلاد، معرض اليابان 2025 (أو أوساكا إكسبو) في جزيرتها الاصطناعية “يوميشيما – Yumeshima”. حيث سيتزامن افتتاح أول منتجع كبير في اليابان مع انطلاق المعرض.
وبصورة متباينة من جمالية بنايات أوساكا الشاهقة و واجهتها البحرية المتمثلة بمنطقة “كيتاهاما – Kitahama”، ستجد مستودعات عريقة تتحدث عن تاريخ أوساكا الطويل وتراثها، إذ كانت المستودعات مركزاً تجارياً حديث العهد في الماضي.
ولكن متعة أوساكا لم تنتهِ هنا.. بل تشمل أيضًا منطقةً شعبيةً أخرى تجلب أجواء الحنين إلى الماضي. وهي شارع “هوزينجي يوكوتشو – Hozenji Yokocho” للمشروبات والأطعمة، والذي يقع بدوره بالقرب من معبد “هوزين جي – Hozenji”.
وعلى بعد بضعة كيلومترات من الشارع والمعبد، ستجد قلعة أوساكا الشامخة ذات التاريخ الطويل الذي يعود حتى زمن الحقبة الإقطاعية، والتي تعلو الحدائق المحيطة لتوفر إطلالةً لا تنسى.
ساكاي مدينة الحِرف اليابانية
كانت مدينة “ساكاي – Sakai”، الواقعة في جنوب محافظة أوساكا، مستوطنةً للبشر منذ العصر الحجري القديم. تزامنت نهاية هذه الحقبة (نحو 10,000 عام قبل الميلاد)، والمعروفة باسم “جومون” في اليابان، مع ثورة ثقافية وهندسية بين البدو الرُحلّ اليابانيين. اتضح ذلك من خلال مجموعة رائعة من الأدوات المكتشفة من عصر “جومون” بالإضافة لأواني فخارية تم التنقيب عنها من تحت الأنقاض في مدينة ساكاي.
وفي القرن الرابع أو الخامس الميلادي، شُيدت مقابر “موزو – Mozu” الأسطورية في ساكاي لدفن رُفات الطبقات الحاكمة آنذاك. بقي منها 44 قبراً فقط من أصل 100، ولكن معظمها في حالة جيدة رغم قِدم الآثار.
وما يثير الاهتمام حقاً في ساكاي، هو وجود مقبرة ضخمة تدعى “دايسنريو كوفون – Daisenryo Kofun” وشكلها يبدو مثل ثقب مفتاح! حيث تعد الأكبر من نوعها في اليابان، ويُعتقد أنها تأوي رُفات الإمبراطور الياباني “نينتوكو” والذي توفي نحو عام 399 بعد الميلاد.
بفضل موقعها الساحلي، بدأت مدينة “ساكاي” بالتطور كمدينة حيوية لصيد السمك وثم بعد ذلك كميناء تجاري رئيسي يخدم “كيوتو – Kyoto” التي كانت عاصمة اليابان القديمة إبان حقبة الدويلات المتحاربة (سينغوكو) وحتى حلول حقبة الإمبراطور ميجي عام 1868 ميلادية.
خلال ذلك الوقت، أصبحت ساكاي مركزًا للتجارة بجميع أشكالها. ونتيجةً لذلك تحولت في ماضيها لواحدة من أغنى مدن اليابان. ولكن في نهاية المطاف، أُجبر أغنى تجار المدينة على الاتجاه شمالاً نحو محافظة ومدينة أوساكا في أواخر القرن السادس عشر الميلادي من قبل القائد العسكري وموحد اليابان “تويوتومي هيديوشي”، إذ كان يهدف لتعزيز سلطته في تلك المنطقة الحيوية.
محافظة نارا.. موطن الغزلان باليابان
قد تشتهر محافظة نارا – Nara” بقطعان الغزلان التي تتجول في مدينتها الرئيسية التي تحمل الاسم ذاته، ولكن هناك أكثر من ذلك في هذه المحافظة الغنية تاريخياً في قلب شبه جزيرة “كيّ – Kii”، كونها كانت عاصمةً للبلاد منذ أكثر من 1300 عام (قبل كيوتو).
تعد نارا موطناً لبعض المعالم الثقافية الأكثر أهميةً في اليابان، مثل معابد “توداي-جي – Todai-ji” و “كوفكو-جي – Kofuku-i” (كلاهما تم تضمينهما في المعابد السبعة الكبرى لمدينة نارا) وضريح “كاسوغا تايشا -Kasuga Taisha” (وهو نصب تذكاري من القرن الثامن للحكام الإمبراطوريين من عشيرة فوجيوارا القديمة).
كما يتردد المتنزهون على نارا بفضل مناظرها الطبيعية العذراء ومساراتها الجبلية القديمة. حيث يعد طريق “يامانوبيه نو ميتشي – Yamanobe no Michi”، أقدم طريق مذكور في السجلات التاريخية لليابان. وهو أحد أشهر طرق المشي. ويمر هذا الطريق العتيق عبر الريف، وأكشاك السوق التقليدية التي تبيع المنتجات المحلية حتى بوابات الضريح ومنطقة المعبد، ولن يضيع من يسلكه بفضل اللافتات وإشارتها بوضوح إلى المسار المتخذ وطرقه الفرعية.
وعلى جانب آخر، وفي أعالي جبل “أومينيه – Omine”، مكان ولادة طقوس “الشوغيندو – Shugendo” البوذية، يمكن للزوار إجراء بعض الاختبارات الشُجاعة، وهي: طقوس قديمة تشمل تسلق الجدران الصخرية وطقوس تطهير وغيرها. وتوفر الوديان في منطقة “يوشينو – Yoshino” أجواءً أكثر هدوءًا عبر ينابيعها الساخنة وبساتينها التي تزخر بأزهار الكرز التي تتفتح على جوانب التلال.
أسرار كانساي في انتظاركم على القناة الرسمية للإقليم في يوتيوب
الجزء الثالث من أسرار كانساي | واكاياما هيوغو وحتى توكوشيما
