يقال أنه لا يوجد بلد في العالم يحب القطط بقدر اليابان! نظرة واحدة على الفن أو الأدب أو وسائل الإعلام اليابانية، ستجد أمثلة عديدة كما في المانغا والأنمي ومقاهي القطـط والجزر المليئة بالقطط. لقد صنعت اليابان أيقونات للقطط بطرق عديدة، تمثل عناصر مختلفة من الثقافة اليابانية. ولكن لماذا يحب اليابانيون القـطط؟
جذور تاريخية
يعود تاريخ حب اليابان للقطط إلى ما هو أبعد مما قد تظن! باعتبارها واحدة من أقدم الدول في العالم (تأسست في عام 660 قبل الميلاد)، حيث كان لدى اليابان فترة زمنية طويلة لبناء مجموعة غنية ومتنوعة من الأساطير والأدب والفن. ومن أهم المظاهر التي تميز هذه الثقافات هي شخصيات “اليوكاي” (وهو يعني أي كائن خارق للطبيعة في الثقافة اليابانية). حيث هناك وفرة من اليوكاي التي تشبه القطـط. من أكثرهم تأثيرا هما باكينيكو و مانيكي نيكو (وكلمة نيكو تعني قطة باليابانية)
باكي نيكو ( القط الوحشي)
باكينيكو هي شخصية غامضة في الأساطير اليابانية، فهي قطط شريرة ذات قوى سحرية مثل تغيير الشكل والقدرة على التحدث وإعادة الحياة والتواصل مع الموتى. تزعم بعض القصص أن باكنيكو تتكون عندما تكبر القطة العادية وتصبح أكبر حجمًا من الطبيعي، أو إذا نما ذيلها كثيرًا. تقول أساطير أخرى أنها تُصنع عندما يقتل إنسان قطة وتعود من الموت لتلعن الشخص الذي أذاها! تعود حكايات هذه القـطط الشريرة إلى قرون مضت وساعدت في ترسيخ القطـط في الثقافة اليابانية ككائنات يجب احترامها بحذر.
مانيكي نيكو ( القط الذي يشير للأعلى)
على عكس قطة باكينيكو الشريرة، فإن مانيكي نيكو هي رمز للحظ السعيد والثروة في اليابان وتتمتع بقصة خلفية أكثر مرحًا. وفقًا للأسطورة، في وقت ما في القرن السابع عشر، كان ساموراي ثري خارجًا للصيد بالقرب من معبد “جوتوكوجي” المتهدم، والذي كان موطنًا لراهب فقير وقطته اليابانية قصيرة الذيل. فجأة، هبت عاصفة عنيفة وبحث الرجل عن مأوى تحت شجرة كبيرة. حيث لاحظ قطة تلوح بمخالبها نحوه من على درجات المعبد. اقترب الساموراي من القطة بدافع الفضول، وحينها ضربت صاعقة من البرق الشجرة التي كان يبحث عن مأوى تحتها. اعتقد الساموراي ان القطة أنقذته، فاشترى المعبد وأعاد ترميمه لكي يعبر للقط وصاحبه عن امتنانه لهما. وعند وفاة القطة، بنى تمثالًا على أرض المعبد لتكريمها.
منذ ذلك الحين، أصبح المعبد وصورة القط الياباني الملوح مرتبطين بالحظ السعيد والثروة. من الشائع رؤية تماثيل مانيكي نيكو في الشركات والمنازل كرمز للثروة والازدهار وقطعة ديكور لطيفة للترحيب بالضيوف!
معتقدات دينية
يعرف أن القطـط وصلت إلى اليابان من الصين على متن سفن تحمل رهبانًا بوذيين في وقت ما بين القرنين السادس والعاشر. سعى هؤلاء الرهبان إلى نشر تعاليمهم بسخاء. ومنذ ذلك الحين ازدهرت البوذية في اليابان حيث يطلق عليها “بوذية الزن“.
كان هناك علاقة تكافلية بين القـطط والرهبان البوذيين. حيث عاشت القطـط في المعابد البوذية وحولها (كما في قصة مانيكي نيكو) للمساعدة في الحد من أعداد الآفات وحماية الطعام المخزن والكتب المقدسة، وفي المقابل تحصل القطـط على الطعام والمأوى.
كما ينظر الرهبان البوذيون إلى القـطط باعتبارها كائنات واعية وروحانية يمكنها أن تساعد في تعليم المرء عن طرق البوذية. وذلك لأن القطـط كائنات هادئة ومراقبة وهي الصفات التي قد يقضي الراهب حياته كلها في صقلها.
القطط و ثقافة الـ”كاواي”
في العصر الحديث، لعب ظهور ثقافة الكاواي في اليابان دورًا رئيسيًا في ترويج حب القطـط والحيوانات الأليفة بشكل عام. حيث تعتبر الحيوانات الصغيرة الرقيقة الظريفة والتي تعتمد على أصحابها للحصول على الحب والعاطفة تجذب بشكل كبير نوع من هذه الثقافة.
كما ساعدت الامتيازات اليابانية الشهيرة مثل بوكيمون وهيلو كيتي في دمج القطـط بشكل أكبر في الثقافة الشعبية. وفي حين أن هيلو كيتي تتناسب تمامًا مع ثقافة الكاواي – ويمكن القول إنها واحدة من المبتكرين الرئيسيين لها – فإن بوكيمون تربطها صلة أعمق بالثقافة اليابانية من خلال استلهام الكثير من القـطط المذكورة سابقا، وتتضمن العديد من التصميمات الأخرى المستوحاة من القطـط.
معالم خاصة بالقطط
جزر القطط
تقع جزيرة أوشيما، المعروفة أيضًا باسم جزيرة القطـط، في محافظة إهيميه. تشتهر الجزيرة بتعدادها الكبير من القطـط. حيث يفوق عدد القـطط عدد البشر ما يقارب من 8 أضعاف؛ وقد تزايدت هذه النسبة مع زيادة وفيات كبار السن، لتقارب النسبة 36 ضعف!
جزيرة أوشيما للقطط
ولكن ليس جزيرة أوشيما وحدها هي التي تشتهر بالقطـط. فجزيرة تاشيروجيما، وهي جزيرة صغيرة في محافظة مياغي، تُعرف أيضًا باسم جزيرة القطـط. وذلك بفضل عدد القطـط الضالة الكبير فيها. حتى أن هناك ضريحًا للقطط في وسط الجزيرة.
معبد القطط
معبد نيان نيان جي، الذي يعني “مواء مواء”، هو ملاذ لمحبي القطـط، حيث يحمل طابع القـطط في كيوتو. يحتوي هذا المعبد على قطط حقيقية تعمل ككهنة يتفاعلون مع الزوار. ويعتبر هذا المعبد معرض فني و ضريح ومقهى للقطط، حيث يقدمون أيضًا أطعمة ومشروبات ذات طابع القـطط.
مقاهي القطط
مقهى القطـط في أوساكا هو مقهى ذو طابع خاص. وعنصر الجذب الرئيسي فيه هو القـطط. يدفع العملاء عادة رسوم دخول، بالساعة عمومًا، ويُرحب بهم لزيارة القطـط واللعب معها أثناء استمتاعهم بالقهوة.
مهرجانات القطط
اليابان موطن للعديد من مهرجانات القطـط. حيث يجتمع الناس للاحتفال بكل ما يتعلق بالقطـط. غالبًا ما تشتمل هذه المهرجانات على مسيرات القـطط ومسابقات التنكر وغيرها من الأنشطة الممتعة لمحبي القطـط من جميع الأعمار.
القطـط في حياة السكان
أكثر من 70% من سكان طوكيو يعيشون في شقق بمتوسط مساحة أقل من 700 قدم مربع للشقة. حيث لا يمتلك اليابانيون مساحة كافية للحيوانات الأليفة. ولهذا تعد القطـط الاختيار الأمثل لتربية حيوان أليف بالمنزل. فهي تشغل مساحة أقل بكثير من الكلاب أو حيوان يتطلب نوع من القفص، ولا تتطلب مساحة خارجية لتلقي الرعاية الكافية.
القطـط سهلة العناية نسبيًا، مما يجعلها حيوانًا أليفًا مناسبًا لشخص مشغول. بالإضافة إلى ذلك، اختار عدد متزايد من الشباب في اليابان مؤخرا عدم الإنجاب، أو على الأقل تأخير زواجهم، لذا ازدادت نسبة امتلاك الحيوانات الأليفة. كما تُعتبر القطـط رمزًا للاستقلال والحرية في الثقافة اليابانية. وتعرف القـطط بطبيعتها المستقلة وقدرتها على التجول بحرية. غالبًا ما ينظر إلى القطـط على أنها رمز للمرونة والقدرة على التكيف. وهي صفات تحظى بإعجاب كبير في المجتمع الياباني.
إعداد و تقديم جنة الجندي لمزيد من المحتوى المقدم من الكاتبة، بالإمكان متابعة صفحتها الخاصة عبر فيسبوك.
صورة المقال الرئيسية:
Photo by Kote Puerto on Unsplash