يتضمن الطب التجديدي التطبيق العلاجي للخلايا والأنسجة والجينات لإصلاح أو تجديد الضرر الذي لحق بجسم الإنسان نتيجة للمرض أو الإصابة. لقد انخرطت اليابان في جهد وطني على مستوى النظام بأكمله لبناء الجاهزية التجديدية. حيث تبذل كل من الحكومة والصناعة والأوساط الأكاديمية جهود كبيرة لتطوير نظام بيئي لجعل الطب التجديدي قابلاً للتطبيق. فما هو الطب التجديدي وكيف طورته اليابان؟
نبذة عامة
الطب التجديدي (Regenerative Medicine) هو مجال يركز على إصلاح الأنسجة والأعضاء التالفة. يجذب الطب التجديدي الانتباه باعتباره شكلاً من أشكال العلاج باستخدام خلايا الإنسان وطريقة يمكن استخدامها لاختبار الأدوية الجديدة. وهو ينطوي على استخدام الخلايا الجذعية المزروعة في المختبر. والتي يتم زرعها بأمان في الجسم لتشجيع تجديد مكونات الجسم المختلفة مثل العظام والغضاريف والأوعية الدموية والأعضاء الأساسية. ويشمل هذا النهج الشامل مجموعة متنوعة من العلاجات التجديدية، الخلوية وغير الخلوية، والتي تتضمن تقنيات مثل تعديل المناعة وهندسة الأنسجة.
وبصرف النظر عن دوره في إصلاح الأنسجة، فإن الطب التجديدي يظهر وعدًا كبيرًا في معالجة الحالات المزمنة مثل مرض الزهايمر ومرض باركنسون وأمراض القلب والأوعية الدموية وهشاشة العظام وإصابات الحبل الشوكي. ومع تقدم الأبحاث، فإنه يقدم نظرة متفائلة للعلاجات الثورية التي لديها القدرة على تحسين نوعية حياة المرضى بشكل كبير ونتائج الرعاية الصحية الشاملة.
وتنص فكرة “الاستعداد التجديدي” على أنه بالإضافة إلى تطوير أدوية جديدة تعتمد على الخلايا والجينات. من الضروري أيضًا تحسين القدرات المؤسسية وتنفيذ البنية الأساسية والتدريب والتنظيم المناسبين. لجعل الاستخدام الروتيني للأدوية التجديدية في الرعاية الصحية احتمالًا قابلاً للتطبيق.
تعتبر اليابان رائدة في هذا المجال. كما يتضح من الأبحاث التي أجراها الدكتور شينيا ياماناكا، الحائز على جائزة نوبل في الفيزولوجيا أو الطب لعام 2012، في مجال الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات.
اتجاهات سوق الطب التجديدي في اليابان
يشهد سوق الطب التجديدي في اليابان نموًا كبيرًا يرجع في المقام الأول إلى تزايد عدد كبار السن. يرتبط هذا الأمر بارتفاع معدل الإصابة بالأمراض المزمنة مثل مرض السكري وأمراض القلب وهشاشة العظام. وبالتالي المساهمة بشكل كبير في توسع السوق. علاوة على ذلك، فإن التركيز المتزايد على علاجات الخلايا الجذعية وأبحاث الهندسة الوراثية يعززان الابتكار في مجال الطب التجديدي.
تعمل التطورات المستمرة في التكنولوجيا الحيوية على تسهيل تطوير علاجات تجديدية أكثر دقة وفعالية، وبالتالي تعزيز نمو السوق. بالإضافة إلى ذلك، فإن الوعي المتزايد بين المرضى فيما يتعلق بتوافر خيارات العلاج التجديدي يعمل كمحفز إضافي لتوسيع السوق. إن الزيادة في حدوث السرطان والبحث عن علاجات أكثر كفاءة ومناسبة للمرضى هو ما يدفع الحاجة إلى الطب التجديدي في علاج السرطان، والذي يلعب دورًا كبيرًا في نمو السوق
ومن تخصصات هذا المجال : العلاج بالخلايا الجذعية، المواد الحيوية، هندسة الأنسجة، وغيرها ايضا.
بعض التطبيقات العملية لدى الطب التجديدي
- بدائل ترقيع العظام
- أمراض العظام والمفاصل
- طب الأمراض الجلدية
- القلب والأوعية الدموية
- الجهاز العصبي المركزي
مجال طبي يجذب اهتمامًا عالميًا
في نوفمبر 2014 أصبحت اليابان أول دولة في العالم تتبنى نظام الموافقة السريعة على المنتجات الطبية التجديدية وتسمح بزراعة الخلايا من مصادر خارجية. وتمت الموافقة على منتجين بموجب النظام الجديد في غضون عام من اعتماده. وبفضل هذا النظام، أصبح من الممكن في بعض الحالات تأمين الموافقة على المنتجات الطبية التجديدية الجديدة في اليابان قبل الموافقة عليها في بلدان أخرى.
وترحب الصناعة اليابانية أيضًا بدخول المشاركين الأجانب. ففي وقت مبكر من عام 2011، انضمت الشركات العاملة في هذا المجال إلى إطلاق منتدى الطب التجديدي المبتكر (FIRM) ليكون بمثابة أنبوب يربط بين الشركات والمؤسسات البحثية ذات الصلة، سواء اليابانية أو الأجنبية. ويؤكد المدير التمثيلي ورئيس مجلس إدارة FIRM يوزو تودا، “إن اليابان، مع سكانها المسنين، لديها حاجة قوية للطب التجديدي، ولديها أيضًا القوة التكنولوجية لتطوير التطبيقات العملية القائمة على نتائج البحث”.
قوانين التجارب السريرية لعلاجات الطب التجديدي
إن قانون PMD هو في الأساس تحديث لقانون الشؤون الصيدلانية الحالي في اليابان. وذلك لوضع أحكام صريحة بشأن منتجات الطب التجديدي التي يطورها المنتجين الصناعيين للوصول إلى السوق. حيث يضع أحكامًا خاصة تسمح بتقديم العلاجات التجديدية لبعض المرضى على أساس الربح قبل تأمين الموافقة التنظيمية الكاملة. يمكن التقدم بطلب للحصول على “الموافقة المشروطة” للعلاجات التجديدية بعد التجارب السريرية للمرحلة الثانية. إذا تم التنبؤ بالسلامة والفعالية بشكل كافٍ من خلال بيانات التجارب الحالية. ثم يُطلب من المنتجات إثبات سلامتها وفعاليتها في غضون فترة زمنية محددة، بحد أقصى سبع سنوات، وبعد ذلك يمكن تمديد موافقة التسويق الخاصة بها أو سحبها.
أما قانون ASRM الياباني أكثر غرابة لأنه يوفر مسارًا تنظيميًا ثانيًا موازيًا لكل من البحث والاستخدام السريري لعلاجات الطب التجديدي في المستشفيات. فالهدف من هذا القانون وضع التزويد الخاص بمنتجات الخلايا والأنسجة غير المعتمدة تحت السيطرة، وفي الوقت نفسه توفير إطار منظم لدعم الابتكار السريري كطريقة صالحة لتطوير علاجات جديدة في اليابان.
ولم تأتِ هذه التعديلات التنظيمية من فراغ. فقد لعبت الجمعية اليابانية للطب التجديدي دوراً كبيراً في تشجيع التغيير التنظيمي، جزئياً لصالح العلماء اليابانيين، الذين زعموا أن الإطار التنظيمي السائد لابد وأن يخضع للمراجعة لاستيعاب النمط التكنولوجي الجديد. والواقع أن الجمعية اليابانية للطب التجديدي فريدة من نوعها باعتبارها جمعية أكاديمية تضم العديد من الخبراء بهذا المجال. كما مارست تاريخياً الضغوط من أجل الإصلاحات الحكومية دعماً لمصالح هذا المجال.
زيادة التصنيع
كما أن هذا المجال جزء لا يتجزأ من بناء مستوى الجاهزية في اليابان. ولطالما اعتُبر تطوير القدرة على الإنتاج الضخم الصناعي. وبالتالي توحيد جودة الأدوية التجديدية وخفض أسعارها، أمرًا مهمًا لتقديم العلاجات التجديدية وتبنيها على نطاق واسع بين عدد كبير من السكان. كما ساعد الدافع للتصنيع الرغبة المذكورة أعلاه في الاستفادة من التكنولوجيا ذات المنشأ الوطني وتطوير صناعة قادرة على المنافسة عالميًا.
وكما تعكس عضوية جمعية الصناعة اليابانية، FIRM، فإن الجهود التي تبذلها الصناعة لبناء مجال الطب التجديدي تتميز بجهود مشتركة بين القطاعات لبناء نظام بيئي. بالإضافة للتعاون بين الشركات الصغرى والكبرى في هذا المجال.
إن هذا الجانب من بناء الشبكات يظهر أيضًا في عمل الجمعية اليابانية لأبحاث الطب التجديدي. حيث تشارك الجمعية في مجموعة من أنشطة الاستعداد. مثل أنشطة “التوفيق” بين الأوساط الأكاديمية والصناعة، والتواصل مع منظمات المرضى، واستضافة محاضرات عامة لزيادة الوعي بالطب التجديدي. والواقع أن الجمعية اليابانية لأبحاث الطب التجديدي، إدراكًا منها لأهمية التعليم والحاجة إلى تنمية رأس المال البشري، أنشأت برنامجًا للتدريب والشهادات لفنيي زراعة الخلايا. ونشرت كتابًا مدرسيًا عن الطب التجديدي يستهدف جميع أصحاب المصلحة المشاركين في مجال الطب التجديدي عبر سلسلة القيمة.
تعزيز الجاهزية
وتشمل الجهود الأخيرة التي بذلتها الجمعية اليابانية لطب التجديد لتعزيز الجاهزية أيضًا إنشاء اتحاد وطني لدعم البحوث السريرية وتقديم الرعاية الصحية اعتماداً على الطب التجديدي. برعاية AMED، وهي وكالة تمويل البحوث الطبية الوطنية في اليابان. ويشمل الاتحاد أنشطة تتجاوز الإطار السريري، مثل التعليم، وتقديم المشورة بشأن التعديلات التنظيمية، وتطوير سجل وطني المشار إليه باسم قاعدة بيانات الطب التجديدي الوطنية، حيث يقوم بتسجيل البيانات المتراكمة من البحوث السريرية الجارية ودراسات المراقبة بعد التسويق للعلاجات التجديدية لتوليد مورد وطني من الأدلة على سلامة وفعالية علاجات الطب التجديدي.
يقتصر الابتكار السريري – بقيادة الأطباء – عادةً على الإجراءات الجراحية، ومسارات تقديم الرعاية، وتدخلات “الاستخدام الرحيم” لمرة واحدة في معظم أنحاء العالم. لذلك سيكون من المفيد مراقبة ما إذا كان قانون ASRM يؤدي إلى مجموعة من خيارات العلاج التجديدي الجديدة في اليابان.
سوق ضخم يدر المليارات من الأرباح
بلغ حجم سوق الطب التجديدي في اليابان 7.6 مليار دولار أمريكي في عام 2023. ومن المتوقع أن ينمو السوق العالمي للطب التجديدي إلى 38 تريليون ين ياباني (345 مليار دولار أمريكي) بحلول عام 2050. وفي اليابان، حيث تعمل الحكومة والصناعة جنبًا إلى جنب لتطوير هذا المجال من خلال تدابير تشمل الإصلاح التنظيمي الجريء. والترويج النشط للاستثمار من قبل الشركات الأجنبية.
ويتحرك السوق بفضل مجموعة من العوامل، بما في ذلك المخاوف المتزايدة بشأن رفض عملية الزرع. والحاجة الأكبر إلى علاجات العظام التجديدية، والتركيز المتزايد على تجديد الأسنان والاستخدام المتزايد للأدوية لعلاج الجروح.
إعداد و تقديم جنة الجندي لمزيد من المحتوى المقدم من الكاتبة، بالإمكان متابعة صفحتها الخاصة عبر فيسبوك.
صورة المقال الرئيسية:
Image by Tatiana from Pixabay