قراءة في قصة الساموراي الأسود

قراءة في قصة الساموراي الأسود
قراءة في قصة الساموراي الأسود

كلما يرد اسم الساموراي الأسود أو الأفريقي، تثار معه التساؤلات حول التاريخ الحقيقي لشخصية هذا الساموراي. فما قصته؟!

ضجة قديمة متجددة

بعد أن أعلنت شركة “يوبي سوفت” عن لعبتها Assassin’s Creed Shadows وفيها شخصية رئيسية تمثل الساموراي الأسود. تم توجيه انتقادات حادة للشركة بسبب الاعتماد على شخصية الساموراي سمراء اللون. حيث أثارت هذه الخطوة تساؤلات حول سبب تركيز “يوبي سوفت” على شخصية الساموراي الأسود. لكن على العموم، هذه ليست المرة الأولى التي يحصل فيها ذلك، حيث شكّلت قصة الساموراي الأسود -بغض النظر عن مدى صحتها- مصدراً للإلهام بالنسبة إلى عدة أعمال أدبية وترفيهية. ولعلّ أبرز وأشهر أعمال الأنمي التي استندت إليها Afro Samurai. ولكن على كل حال، نحن لسنا بصدد استعراض “التوجه الليبرالي اليساري” لشركة يوبي سوفت في الترويج لقصصها وألعابها التي أصبح الجميع يتفق على أنها تتعمد ذلك وتصر على هذا التوجه في كافة ألعابها. بل نحن هنا بصدد استعراض قصة الساموراي الأسود الذي أثار أصبح موضوعه مثيراً للجدل منذ البداية.

العرض الترويجي الخاص بلعبة Assassin’s Creed Shadows

فحين يفكر العموم بشخصية الساموراي، يخطر ببالهم رجل ذو ملامح آسيوية حادة مرتدياً درعه وحاملاً سيف الكاتانا. وقد لا يخطر على بال الكثيرين أو ربما الجميع، بأنه من الممكن وجود ساموراي أفريقي أسود البشرة!

لوحة فنية للقائد أودا نوبوناغا
لوحة فنية للقائد أودا نوبوناغا

القصة كما وردت بعدة مصادر

تشير عدة مصادر إلى وجود ساموراي أفريقي عمل تحت قيادة القائد البارز وأحد أقوى أمراء الحرب بذلك الوقت “أودا نوبوناغا”(1534-1582) إلى اليابان في عام 1579. وكانت لديه الفرصة الفريدة لخدمة “نوبوناغا” لمدة عام ونصف. وقيل أنه قاتل بشجاعة كبيرة من أجل “نوبوناغا” في حادثة معبد هونوجي عام 1582. وأكدت المصادر على أن الساموراي الأفريقي تلقى الاسم الياباني “ياسوكي” من سيده “نوبوناغا”. ولكن لا توجد سجلات رسمية تكشف عن اسمه الحقيقي. وعلى الرغم من أن برنامج تلفزيوني عام 2013 – وهو متخصص في كشف أسرار العالم (世界ふしぎ発見) قد تم بثه عبر قناة TBS اليابانية- ذكر أن ياسوكي ربما كان ينتمي إلى شعب الماكوا من شمال موزمبيق ويُدعى “ياسوفي” إلا أنّ البرنامج لم يكن كافياً للإجابة عن التساؤلات حول مدى صحة قصته.

أم وطفلها من شعب الماكورا المنحدر من شمال موزمبيق
أم وطفلها من شعب الماكورا المنحدر من شمال موزمبيق

في عام 1579، زار اليابان المفتش التبشيري اليسوعي الإيطالي “أليساندرو فالينيانو” (1539-1606). وقبل وصوله إلى اليابان، توقف “فالينيانو” عند المستعمرة البرتغالية في شرق إفريقيا (موزمبيق حاليا) ثم توجه إلى غوا بالهند. في تلك الأيام، كان للرهبان اليسوعيين قاعدة مهمة تركز على آسيا في غوا. وعندما توجه “فالينيانو” إلى اليابان في مهمته، أحضر معه خادماً أسوداً موثوقاً به.

موقع موزمبيق على الخريطة شرق أفريقيا مقابل دولة مدغشقر
موقع موزمبيق على الخريطة شرق أفريقيا مقابل دولة مدغشقر

دخلت مجموعة “فالينيانو” كيوتو (عاصمة اليابان آنذاك) عام 1581 لمراقبة مدى قوة وتماسك السكان عن كثب. وأقاموا في معبد نانبانجي، القريب من معبد هونوجي. يقال أن مبنى معبد نانبانجي كان مزيجًا من الطرازين الأوروبي والياباني. وكان المبشرون اليسوعيون ينشرون الإنجيل انطلاقاً من هذا المعبد. أتيحت الفرصة لـ”فالينيانو” مقابلة “نوبوناغا” في معبد هونوجي حيث كان “نوبوناغا” يقيم عادةً حين يأتي إلى كيوتو.

اقرأ أيضاً: تاريخ المسيحية في اليابان

“نوبوناغا” و “ياسوكي”.. وجهاً لوجه

انتشر بسرعة نبأ وجود رجل أسود في كيوتو. وسرعان ما توافدت أعداد كبيرة من الناس إلى معبد نانبانجي لرؤية الرجل بأعينهم. وقيل أنّ هذه المرة الأولى التي يرى فيها معظم اليابانيين رجلاً أسودًا وكانوا جميعًا فضوليين للغاية بما في ذلك نوبوناغا نفسه. لذلك أرسل نوبوناغا مبعوثاً إلى معبد نانبانجي قائلاً إنه يرغب حقًا في مقابلة الرجل في أقرب وقت ممكن! قبولًا لطلب “نوبوناغا”، أخذ “فالينيانو” “ياسوكي” معه إلى معبد هونوجي في ذلك اليوم نفسه (25 فبراير 1581).

حَدّقَ “نوبوناغا” في “ياسوكي” باهتمام. في البداية ، لم يصدق أن لون بشرة الرجل طبيعياً. لذلك، أمر نوبوناغا خدمه بغسل جسد ياسوكي. وكلما فركوه أكثر، كلما ازداد لمعان جسده الأسود. واندهش “نوبوناغا” بذلك.

وفقًا لوصف أحد القادة العسكريين الذين كانوا هناك، كان الرجل الأسود من بلد أجنبي يبلغ طوله نحو 182 سنتيمتراً وله جسد أسود مثل الفحم. ووفقاً لسجلات نوبوناغا الرسمية، “شينتشو كوكي” ، ذكرت أن الرجل الأسود يبلغ من العمر 26-27 عامًا ، وقويًا مثل 10 رجال. وكان يمكنه حتى التحدث ببضع كلمات يابانية.

أعجب “نوبوناغا” بالرجل ومنحه الاسم الياباني “ياسوكي” ، ليجعله من خدمه. قبل “فالينيانو” طلب “نوبوناغا” وأصبح “ياسوكي” محارباً رسمياً من محاربي الساموراي. وهذا يعني أنه تم تزويد “ياسوكي” بسيف ومنزل وملابس ساموراي وراتب من “نوبوناغا”.

يوم القدر المحتوم

وقعت حادثة معبد هونوجي في الثاني من يونيو عام 1582. كانت هذه الحادثة مروعة بسبب خيانة “أكيتشي ميتسوهيديه” الذي كان تابعاً يعمل لصالح “نوبوناغا”.

في صباح يوم الثاني من يونيو، “كان نوبوناغا” يغسل وجهه ويجففه عندما تسلل قاتل “أكيتشي” إلى معبد هونوجي وأطلق سهمًا في ظهر “نوبوناغا”. أخرج “نوبوناغا” السهم بنفسه. ثم عاد إلى الداخل وأخذ قوسًا في يده. قاتل لفترة وجيزة، لكن مرفقه أصيب حينها. أدرك أنه على وشك الموت، فأغلق الأبواب برفق ولم يخرج مرة أخرى. قال بعض من كانوا هناك إنه انتحر شق بطنه (بأسلوب هارا كيري)، بينما قال آخرون إنه أشعل النار وأحرق نفسه حتى الموت، حتى لا يرى أعداؤه موته.

كان “ياسوكي” مع “نوبوناغا” في ذلك اليوم. حيث قيل أنه قاتل لحماية نوبوناغا، وبعد وفاته، هرع إلى قصر نيجو (ليس موجودًا في الوقت الحاضر) حيث كان يقيم ابن القائد نوبوناغا”، واسمه “نوبوتادا”. يُقال أن “ياسوكي” قاتل بشجاعة. لكن في النهاية تم القبض عليه من قبل أكيتشي.

ياسوكي في الأسر

نظر “أكيتشي” إلى “ياسوكي” وقال: لا يمكن محاسبة “ياسوكي” لأنه ليس يابانياً. لذلك، أعيدوه إلى الكنيسة (معبد نانبانجي)! ”هناك رأي بأن أكيتشي كان معجبا بالفعل بـ”ياسوكي” واستخدم هذا كذريعة لإطلاق سراحه.

ولكن لم يتم العثور على أية سجلات عن “ياسوكي” بعد إعادته إلى معبد نانبانجي. ولا يوجد دليل قاطع على ما حدث بعد ذلك.

وفقًا للبرنامج التلفزيوني الذي تم ذكره آنفاً، فإن بعض الناس في موزمبيق يرتدون ملابس تشبه إلى حد ما الكيمونو الياباني. وبناءً على ذلك، من المحتمل أن يكون “ياسوكي” قد عاد إلى موطنه وأخذ معه بعض (الكنوز) اليابانية مثل الكيمونو.

شكوك حول قصة ياسوكي

توجد شكوك حول قصة ياسوكي التي وردت أعلاه. لأن بعض الأماكن المذكورة في هذه القصة غير موجودة في يومنا هذا. مثل معبد نانبانجي ومحل إقامة نجل “نوبوناغا” قصر نيجو. كما أنّ موقع معبد هونوجي قد تغير عن موقعه الأول الذي ورد بهذه القصة بمسافة واحد كيلومتر باتجاه الغرب من موقعه الجديد القريب من محطة مترو كيوتو شياكوشو-ماي.

إضافةً إلى ذلك، لم يرد اسم “ياسوكي” لدى المركز الياباني للسجلات التاريخية الآسيوية. ولم يذكر اسمه في المتحف الوطني باليابان وذلك بعد عدة محاولات في البحث عن اسمه لم يتم إيجاد أي اسم أو قصة مرتبطة به. كما لا يعرف على وجه التحديد مكان “ياسوكي” بعد أن تم إطلاق سراحه، وهذا ما يزيد الشكوك في صحة القصة ومدى دقة المعلومات فيها. ولم ترد أية تفاصيل متعلقة حول كيفية قتال “ياسوكي” ودفاعه عن سيده “نوبوناغا” قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة!

الغموض في القصة فرصة

صحيح أن هناك عدة أحداث تاريخية حقيقية موثّقة بالأرشيف التاريخي الياباني، ولا توجد الأماكن التي وقعت بها هذه الأحداث بسبب تغير معالم البلاد وهو أمر طبيعي ووارد في جميع أنحاء العالم. لكن التضارب في الروايات حول شخصية “ياسوكي” ذاتها ومصيره بعد الأسر تثير المزيد من علامات الاستفهام.

كتاب The Chronicle of Lord Nobunaga من تأليف أوتا غايوئيتشي من أبرز المصادر التي يعتمد عليها المهتمون بقصة الساموراي الأسود "ياسوكي"
كتاب The Chronicle of Lord Nobunaga من تأليف أوتا غايوئيتشي من أبرز المصادر التي يعتمد عليها المهتمون بقصة الساموراي الأسود “ياسوكي”

فيما لو كانت هذه الشخصية حقيقية أو لا، من المستغرب أن يركز بعض القائمين على الأعمال الترفيهية والسينمائية والأدبية على تاريخ شخصية مليئة بالروايات غير الموثقة على وجه الدقة والتي توجد عدة خلافات حول روايتها ومن مصادر عدة. ويتركون الأحداث الموثّقة والمؤرشفة بدقة. لكن على ما يبدو أن الكثير من الشركات تبقى رهينة سياسات العمل لديها إضافةً إلى مصالحها التجارية. ويمكن أن تستغل الشركات بعض العناصر الغامضة في أي قصة لإطلاق العنان للخيال من أجل إكمال أعمالها على طريقتها الخاصة. وهذا ما حصل تماماً لدى العديد من الأعمال السينمائية وحتى الروايات الأدبية. والتي يمكن أن تضفي من خلالها نوع خاص من حبكة القصة مع عناصرها التشويقية.

اقرأ أيضاً: قراءة في حقبة موروماتشي التاريخية

انضم الآن مجاناً لتصبح عضواً متميزاً في مجلة اليابان للحصول على آخر المستجدات والأخبار من الموقع. مع العديد من العروض والمفاجآت! (اضغط هنا)

المصادر:
1– موقع الأرشيف الرقمي التابع للأرشيف الياباني الوطني

2-المركز الياباني للوثائق التاريخية الآسيوية
3-موقع الأرشيف الوطني

4-موسوعة جابان ترافل

0 0 votes
Article Rating

اكتب تعليقًا

0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x