أهم المعلومات عن قوات الدفاع الذاتي اليابانية

أهم المعلومات عن قوات الدفاع الذاتي اليابانية
أهم المعلومات عن قوات الدفاع الذاتي اليابانية

تمثل قوات الدفاع الذاتي اليابانية أكثر من مؤسسة عسكرية، فهي تجسد درع اليابان الحديدي الذي يحمي أراضي اليابان في وجه التهديدات المتصاعدة من حولها.

يهدف هذا المقال لتوفير أهم المعلومات عن قوات الدفاع التي يجهل تاريخها وقوتها الملايين حول العالم. ويسلط الضوء على جذور قوات الدفاع التاريخية، وهيكلها التنظيمي، وأهم فروعها ومساهماتها الأمنية.

قبل أن نخوض في موضوع المقال الرئيسي، يجب مناقشة رأي متداول بصورة واسعة على الإنترنت. حيث يعتقد الملايين حول العالم بأن اليابان ليس لديها جيش رسمي، منذ أن تم تفكيك الجيش الإمبراطوري السابق بعد الحرب العالمية الثانية.

ولكن هذا الرأي غير صحيح، حيث تمتلك اليابان جيشاً يدعى بـ”قوات الدفاع الذاتي اليابانية”، ويُشار إليها باسم “جييتاي – 自衛隊” باليابانية أو “Japan Self Defense Force” أو “JSDF” ببساطة.

تصنف قوات الدفاع الذاتي في المرتبة الـ8 عالمياً من حيث القوة العسكرية، وذلك وفق إحصاءات موقع “غلوبال فايرباور” لعام 2023.

لفهم دور قوات الدفاع الذاتي في اليابان المعاصرة، يجب أن نعود إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

في أوائل الخمسينيات، كانت اليابان تكافح العواقب المدمرة التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، وتعقيدات نزع السلاح التي فرضتها القوات الأمريكية بعيد احتلالها للبلاد وتفكيك الجيش السابق.

انتهجت اليابان عقيدة عسكرية تدعى بعقيدة “يوشيدا” تيمناً برئيس الوزراء آنذاك “شيغيرو يوشيدا”. حيث فتحت تلك العقيدة الجديدة الطريق لإعادة تسليح اليابان ضمن إطار دستورها السلمي.

أسست اليابان اعتماداً على تلك العقيدة، القوة الوطنية للشرطة في عام 1950. وثم تم تأسيس قوات الدفاع الذاتي اليابانية بشكل رسمي عام 1954.

القوة الوطنية للشرطة عام 1952 - عبر ويكيميديا
القوة الوطنية للشرطة عام 1952 – عبر ويكيميديا

لم يكن تأسيس اليابان لقوات الدفاع الذاتي يرمز لنهضتها العسكرية وحسب، بل جاء كاستجابة استراتيجية لتقلب الوضع الجيوسياسي في محيطها.

حيث كان الوضع الجيوسياسي مشحوناً بمشاعر الكراهية لجيش اليابان السابق بسبب الآلام العظيمة التي خلفتها سياسات النظام المتطرف آنذاك.

كما ترمز قوات الدفاع لالتزام اليابان بالدفاع عن النفس أمام التهديدات، ورسم توازن جديد في المنطقة يدمج بين احترام السلمية والحفاظ على الأمن القومي.

بين السلمية وإعادة التسلح

ويجدر بالذكر هنا أن اليابان كتبت دستورها السلمي عام 1946 تحت إشراف الاحتلال الأمريكي، وثم دخل حيز التنفيذ عام 1947 (بعد نهاية الحرب بعامين). إذ وضع الدستور في مادته الـ9 قيوداً على امتلاك اليابان لأي قوة هجومية.

ولكن تلك القيود تضاءلت تدريجياً بمرور الوقت، بالأخص بعد أن أعاد الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم تعريف المادة التاسعة من الدستور لمنح اليابان قدرات عسكرية أكبر في وجه التهديدات الأمنية المتصاعدة.

وبالإضافة لذلك، سعى الحزب الحاكم منذ عقود إلى تعديل الدستور ومنح قوات الدفاع الذاتي صيغة رسمية فيه مع الحفاظ على طبيعته السلمية.

ولكن تلك الجهود واجهت معارضة شديدة من قبل اليابانيين المدافعين عن سلمية الدستور، والذين شهدوا سنوات الحرب العالمية الثانية وشهدوا القصف الذري لمدينتي هيروشيما وناغاساكي وعواقبه المدمرة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن اليابان وضعت ميزانية دفاعية قياسية لعام 2024، تبلغ نحو 7.7 تريليونات ين (54 مليار دولار) ووسعت قدراتها العسكرية بثبات على مدار العقود الماضية، لدرجة سعيها لتطوير مقاتلة شبحية من الجيل السادس.

ويبرهن ذلك دون أدنى شك، خطورة التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد في ظل صراعها الداخلي بين السلمية المطلقة وسياسات إعادة التسلح الكامل.

تمتلك اليابان جيشاً محترفاً يقوم على التطوع وليس التجنيد الإجباري كالكثير من الدول. وتنقسم قوات الدفاع الذاتي إلى ثلاثة أقسام رئيسية، وهي: قوات الدفاع الذاتي البرية اليابانية (GSDF)، وقوات الدفاع الذاتي البحرية اليابانية (MSDF)، وقوات الدفاع الذاتي الجوية اليابانية (ASDF).

تركز قوات الدفاع البرية على حماية تكامل الأراضي اليابانية المكونة من آلاف الجُزر. في حين تحمي قوات الدفاع البحرية بقدراتها الكبيرة سواحل البلاد الواسعة وحدودها المائية.

تدريب قوات الدفاع

وفي الوقت نفسه، تحافظ قوات الدفاع الذاتي الجوية على تفوقها الجوي، عبر حماية الأجواء اليابانية من التهديدات المحتملة والطائرات الأجنبية التي قد تخترق أجواء البلاد.

توظف قوات الدفاع الذاتي أكثر من 300,000 جندي وضابط، وتمتلك البلاد أكثر من 1,000 دبابة وأكثر من 100,000 مركبة مدرعة وعسكرية. كما تمتلك 4 حاملات طائرات مروحية، و 36 مدمرة بحرية و 4 فرقاطات بحرية و 21 غواصة مختلفة الطرازات.

تدريبات البحرية اليابانية

وبالإضافة لذلك، تمتلك القوة الجوية أكثر من 1,400 طائرة. من بينها نحو 250 طائرة ثابتة الجناح ومقاتلة. وأكثر من 120 مروحية هجومية وغيرها الكثير.

تدريبات قوات الدفاع الجوية

وعلاوة على ذلك، تمتلك قوات الدفاع قسماً خاصاً فيها يشارك دوماً في مهام البحث والإنقاذ ومواجهة الكوارث الطبيعية. وهي قوات تنشر دوماً من قبل الحكومة اليابانية لمساعدة الأبرياء وحماية الأرواح خلال حدوث الزلازل وغيرها من الكوارث.

كان ظهور قوات الدفاع في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية محاطاً بالشكوك والمخاوف. حيث خشي الشعب الياباني إمكانية دخول البلاد في حرب جديدة ضد الولايات المتحدة. وإعادة سيناريو الحرب المدمرة التي سلبت ملايين الأرواح.

ولكن مع تحقيق البلاد لمعجزتها الاقتصادية، تغيرت النظرة العامة داخل اليابان ناحية قوات الدفاع. إذ ارتفعت الثقة في الأجهزة الحكومية وكفائتها في تحقيق الاستقرار وحماية السلام الدائم الذي تمتعت به البلاد على مدار أكثر من 70 عاماً.

وساهمت الجهود الذي بذلتها قوات الدفاع في مواجهة الكوارث الطبيعية في تغيير وجهة نظر الشعب الياباني ناحيتها. وتحتفي شريحة واسعة من اليابانيين في الحاضر بقدرات قوات الدفاع واحترافيتها العالية، ومشاركتها في فعاليات حفظ السلام والاستقرار حول العالم.

على الرغم من النظرة السلبية التي كانت تحيط بالقوات اليابانية في شرق آسيا بسبب سنوات الحرب العالمية الثانية. استطاعت قوات الدفاع إعادة رسم صورتها أمام العالم في عقود قليلة.

وشاركت في العديد من الجهود الدولية الساعية في حفظ السلام دون أن تتدخل بصورة مباشرة في أي حرب أو غزو. حيث ساهمت في مهام حفظ السلام تحت مظلة الأمم المتحدة بعد الغزو الأمريكي الجائر للعراق. وكانت جهودها متركزة حول إعادة الإعمار وتقديم المساعدات في مدينة “السماوة” جنوب البلاد، بين عامي 2004 وحتى انسحابها الرسمي عام 2006.

وبالإضافة لذلك، ساهمت قوات الدفاع في رفع وطأة المعاناة عن السكان المحليين في أفغانستان عن طريق تقديم المساعدات الإنسانية عام 2001، بعيد الغزو الأمريكي الغاشم.

وعلاوة على ذلك، شاركت قوات الدفاع في جهود مكافحة الإرهاب الدولية وجهود مكافحة القرصنة البحرية في خليج “عدن”. والتي عرقلت التجارة الدولية لمدة طويلة.

ويجدر بالذكر هنا، أن دستور اليابان السلمي يحظر البلاد من المشاركة في أي حرب أو إرسال قواتها إلى أي بلد فيه حرب جارية. ولذلك لم تشارك قوات الدفاع في أي حرب شنتها الولايات المتحدة بداية الألفية.

حيث تواجه الحكومة اليابانية معارضة داخلية شديدة على الدوام في محاولة لمنع قوات الدفاع من المشاركة في أي حرب خارج حدود اليابان.

قوات الدفاع في العراق - عبر ويكيميديا
قوات الدفاع في العراق – عبر ويكيميديا

فرضت قوات الاحتلال الأمريكية بعيد الحرب العالمية الثانية العديد من الاتفاقيات غير العادلة على اليابان. كونها استسلمت بشكل غير مشروط على خلفية القصف الذري الوحشي لمدينتي هيروشيما وناغاساكي.

وإحدى تلك الاتفاقيات كانت تنص على تحكم القوات الأمريكية بمصير اليابان الأمني من خلال وضع قواعد عسكرية في البلاد. وعدم الدفاع عن اليابان في حال تعرضها لهجوم من قبل دولة أخرى.

حيث كانت اليابان في مأزق سياسي كبير آنذاك، وتحملت العواقب الوخيمة التي خلفتها سياسات الحزب المتطرف الذي استولى على حكم البلاد واستخدم اسم الإمبراطور لشن الحروب.

وزيادة على ذلك، كانت مشاعر الكراهية تحيط باليابان من كل صوب. وواجهت تهديدات أمنية كبيرة من الدول المجاورة التي حاولت أن تستغل ضعفها السياسي للاستيلاء على أراضيها.

ألقي على كاهل الحكومة اليابانية المنتخبة آنذاك حمل ثقيل، يتضمن إيجاد طريقة سلمية للنهضة دون الدخول في صراع جديد مدمر مع الولايات المتحدة أو أي دولة مجاورة أخرى.

الحرب الباردة

تغير الوضع جذرياً مع انطلاق الحرب الباردة بين قطبي العالم (الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة). حيث أصبحت اليابان حليفاً مهماً للولايات المتحدة، وهو ما منحها ورقة قوية للتفاوض لتخرج نفسها من معضلتها.

وبفعل ذلك ولدت العديد من المبادرات التي سمحت لليابان بالاستقلال تدريجياً في قرارها السياسي والاقتصادي والاستراتيجي عن الولايات المتحدة وسطوتها العسكرية.

كما عدلت البلاد على العديد من الاتفاقيات غير العادلة التي أبرمت بعد الحرب. ووقعت اتفاقية التحالف المشترك خلال عام 1960. والتي سمحت اليابان من خلالها للقوات الأمريكية بالاستمرار بالتواجد على أراضيها بشرط توفير الحماية لها ولتجارتها العالمية.

الاتفاقية المشتركة والمعدلة بين اليابان والولايات المتحدة - عبر ويكيميديا
الاتفاقية المشتركة والمعدلة بين اليابان والولايات المتحدة – عبر ويكيميديا

وبمرور الوقت تطورت العلاقات اليابانية الأمريكية لمستوى جديد. وتمكنت الحكومة اليابانية من خلق التوازن المثالي الذي سمح لها بالتركيز على إعادة البناء مع الحفاظ على السلام والاستقرار.

خلال الحاضر، تستضيف اليابان العديد من القواعد الأمريكية المتركزة أغلبها في محافظة وجزيرة أوكيناوا أقصى جنوب البلاد. ولكن هذه القواعد تواجه معارضة شديدة من قبل السكان المحليين. الذين يتظاهرون دوماً في محاولة لإخراج القوات الأمريكية من الأراضي اليابانية.

والخلاصة تكمن في أن اليابان مرت بفترة عصيبة، اضطرت خلالها لتقديم العديد من التنازلات. ولكنها استفادت من الظروف التي سمحت لها بالاستقلال تدريجياً مع الحفاظ على تحالفها العسكري مع الولايات المتحدة. والذي يوفر لها الحماية من الدول المعادية المجاورة التي ما زال بعضها يكن العداء ومشاعر الكراهية للحكومة اليابانية.


انضم الآن مجاناً لتصبح عضواً متميزاً في مجلة اليابان للحصول على آخر المستجدات والأخبار من الموقع مع العديد من العروض والمفاجآت! (اضغط هنا)


المصادر:
(1) وزارة الدفاع اليابانية
(2) موقع غلوبال فايرباور
(3) وكالات يابانية
1 1 vote
Article Rating

اكتب تعليقًا

1 Comment
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
نصرالدين الليبي
نصرالدين الليبي
9 شهور

مواقع التواصل الاجتماعي تنشر معلومات مغلوطة و مظللة عن اليابان يجب توضيح الحقائق دائما شگرا على المقال الرائع

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x