حقائق حول معدلات الانتحار في اليابان

حقائق حول معدلات الانتحار في اليابان
حقائق حول معدلات الانتحار في اليابان

تنتشر شائعة حول اليابان بأنها أعلى دولة في معدلات الانتحار بالعالم، وهذه واحدة من الخرافات المنتشرة حولها ولا أساس لها من الصحة. فبالرغم من ارتفاع معدل الانتحار بها إلا أنها ليست الأعلى على الإطلاق. كما تُطرح تساؤلات دائما عن أسباب الانتحار في اليابان، وكيف تواجه الحكومة هذه الكارثة. إليكم بعض الحقائق حول الموضوع.

نظرة عامة

لا يزال الانتحار يمثل مشكلة اجتماعية كبيرة في اليابان. خاصة مع انخفاض معدل المواليد وتزايد معدل الشيخوخة مما يهدد استمرارية الشعب. ففي عام 2020، توفي 21081 شخصًا منتحرًا، أي بمعدل 60 حالة وفاة كل يوم! والأغلبية العظمى منهم من الرجال. وهي أول زيادة في 11 عامًا على الأرجح بسبب المشكلات الصحية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا. حيث أشار تقرير لمنظمة الصحة العالمية في عام 2018 إلى أن معدل الانتحار في اليابان البالغ 18.5 (وفيات الانتحار لكل 100 الف شخص) هو الأعلى بين دول مجموعة السبع والتاسع بين جميع الدول، رغم أنه لا يزال أقل من نصف المعدل في المجر (35.3)، او من معدل معدل دولة ليسوتو الأعلى عالميا (72.4).

معدلات قياسية بحالات الانتحار عبر عقود

ارتفع معدل الانتحار في اليابان بنسبة 35% تقريبا عام 1998. ويُعتقد أن السبب الرئيسي في ذلك هو الأزمة المالية التي أعقبت انهيار اقتصاد الفقاعة. ومنذ عام 2009، انخفض معدل الانتحار حتى عام 2019. ومن الغريب أن الانتحار بين الشباب قضية ناشئة في اليابان. ففي عام 2020، شهدت البلاد زيادة بنسبة 19% في حالات الانتحار بين الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 29 عامًا. ويُشار أيضا إلى ارتفاع حالات الانتحار بين الطلاب بنسبة 17% وتجاوزت الألف حالة لأول مرة منذ عام 2011.

وخلال السنوات العشر الماضية، بلغت حالات الانتحار بين الأشخاص العاطلين عن العمل أكثر من 50% من إجمالي الحالات. مما يشير إلى وجود علاقة مهمة محتملة بين البطالة والانتحار، وتشير الأدلة إلى أن الشباب يقتلون أنفسهم لأنهم فقدوا الأمل ولم يعودوا قادرين على طلب المساعدة.


تعد العزلة أثناء جائحة كورونا من أسباب زيادة معدلات الانتحار
تعد العزلة أثناء جائحة كورونا من أسباب زيادة معدلات الانتحار

العوامل المختلفة

بلغت حالات الانتحار بين الرجال أكثر من 23 ألف حالة (71% من الإجمالي). ومن بين هؤلاء، كان 40% من الرجال في الأربعينيات والخمسينيات من العمر. ومع ذلك، فإن معدل الانتحـار بين النساء في اليابان مرتفع (10.8) مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى. وفي تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2018، لم يكن لدى أي دولة أخرى من دول مجموعة السبع معدل انتحار بين النساء أعلى من 7.0.

ومن حيث العمر، كانت النسبة الأكبر من حالات الانتحـار (34% من الإجمالي) بين من تجاوزوا الستين من العمر. وتبع ذلك 25% بين من هم في الخمسينيات من العمر و16% بين من هم في الأربعينيات من العمر.

حالات الانتحار بين الأجانب

في عام 2017، توفي 207 من الأفراد الأجانب منتحرين في اليابان. ومن بينهم، المواطنين من كوريا الجنوبية أعلى عدد من الحالات ( 57.5% من جميع الحالات الأجنبية كانت بين المواطنين الكوريين الجنوبيين). وكان معدل انتحارهم البالغ 23.2 لكل 100 الف شخص أعلى من المعدل الإجمالي في اليابان (18.5) وكوريا الجنوبية (23.0). ويشيرون إلى أن هذا قد “يعكس الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الخاصة التي يواجهونها كسكان مهمشين في اليابان”.

اتجاهات حديثة ووجهات نظر مختلفة


يُعتقد أن العوامل الثقافية ساهمت أيضاً في ارتفاع حالات الانـتحار في اليابان. ففي الديانتين اليابانيتين الرئيسيتين ـ الشنتوية والبوذية ـ لا يوجد أي حظر أخلاقي على قتل النفس، كما أن العديد من الأعمال الأدبية تمجده باعتباره وسيلة للتكفير عن الذنوب. ويشير الناس في كثير من الأحيان إلى التقليد الياباني الطويل المتمثل في “الانتـحار المشرف” كسبب لارتفاع معدل الانـتحار. ويشيرون إلى ممارسة الساموراي في ارتكاب عمليات الانتـحار المعروفة باسم “سيبوكو” أو إلى طياري “الكاميكازي” الشباب في عام 1945، لإظهار أن هناك أسباباً ثقافية متميزة تجعل اليابانيين أكثر ميلاً إلى الانتـحار.

وقد أدت التكنولوجيا إلى تفاقم الأمور، إذ تزيد من عزلة الشباب. وتشتهر اليابان بحالة تسمى هيكيكوموري، وهي نوع من الانسحاب الاجتماعي الحاد قد يمتد لشهور بل سنوات. ويقول الخبراء دائما “العزلة هي المسبب الأول للاكتئاب والانتـحار”.

الشيخوخة تحتل المعدل الأعلى للانتحار


الوحدة والإهمال من أهم أسباب الانتحار بالشيخوخة
الوحدة والإهمال من أهم أسباب الانتحار بالشيخوخة

أظهرت الأبحاث مؤخرا  أن كبار السن الذين يعانون من مشاكل مالية قد يرون في الانتحـار وسيلة للخروج من مشاكلهم. فأصبح من الشائع بشكل متزايد قراءة قصص عن كبار السن الذين يموتون بمفردهم في شققهم، حيث يتعرضون للإهمال. حيث اعتاد الأطفال قديما في اليابان على رعاية والديهم في سن الشيخوخة. ولكن الأمر لم يعد كذلك الآن. ويُقال “أحيانًا يكون هناك ضغط لا يطاق على كبار السن لدرجة أن الشيء الأكثر محبة الذي يمكنهم فعله هو الانتـحار وبالتالي توفير احتياجات أسرهم.” ويُقال أيضا “إن نظام التأمين في اليابان متساهل للغاية عندما يتعلق الأمر بدفع تعويضات الانتـحار، لذا عندما يشعر-بعض الناس- بالفشل في كل شيء، يمكن ببساطة أن يقتلوا أنفسهم وسوف يُدفع لهم التأمين.” هناك الكثير من حالات الوفاة الفردية للمسنين لا يتم التحقيق فيها بشكل كامل من قبل الشرطة، وبسبب هذا، يعتقد بعض الخبراء أن معدل الانتـحار في اليابان أعلى بكثير من المعلن عنه.

الشباب، قوة عظمى في تدهور

ليس الرجال المسنون وحدهم من يفكرون بالانتحار. فبينما يتمتع كثير من كبار السن بالأمن الوظيفي والمزايا، يعاني حوالي 40% من الشباب الياباني من البطالة. هذا الوضع يؤدي إلى تفاقم القلق المالي وانعدام الأمن، مدفوعًا بثقافة عدم الشكوى التي تمنع الشباب من طلب المساعدة أو التعبير عن صعوباتهم.


سوء الأوضاع المالية وعدم الاستقرار الوظيفي يعتبر من أهم أسباب الانتحار
سوء الأوضاع المالية وعدم الاستقرار الوظيفي يعتبر من أهم أسباب الانتحار

ويقول علماء النفس والفلسفة باليابان “إن هذا المجتمع يخضع لقواعد ثابتة. فالشباب مصممون على التكيف مع قالب ضيق للغاية. وليس لديهم أي وسيلة للتعبير عن مشاعرهم الحقيقية.”، “إذا شعروا بالضغط من رئيسهم وأصيبوا بالاكتئاب، يشعر البعض أن الطريقة الوحيدة للخروج من الموقف هي الموت”.

كما توصلت دراسة استقصائية حديثة أجريت حول مواقف الشباب اليابانيين تجاه العلاقات إلى نتائج غير عادية. ووجدت أن 20% من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و29 عاماً لا يهتمون كثيراً بفكرة الزواج.

الصحة العقلية

هناك نقص حاد في الأطباء النفسيين باليابان. ​ورغم أن البيانات المتعلقة بالصحة العقلية لأولئك الذين أقدموا على الانتـحار لم تكن متاحة في هذه الإحصاءات اليابانية الرسمية، فإننا نعلم أن الاضطرابات العقلية تشكل عاملاً خطيراً للانتحار من خلال أبحاث أخرى داخل اليابان وخارجها. وأظهرت دراسة أخرى وجود علاقة بين الدخل السنوي والاضطراب العقلي في اليابان.

وقد ظهر في التقارير أن حالات الانتـحار تصل إلى الذروة في شهر مارس. فضلاً عن بعض الزيادة في شهري مايو وأكتوبر. خلال السنوات الخمس الماضية، كان معدل الانـتحار في مارس (7.67) أعلى بنسبة 10% من المتوسط ​​الشهري البالغ 6.98. وبسبب هذا الاتجاه، حددت الحكومة اليابانية شهر مارس شهرًا للوقاية من الانتحار ونفذت سياسات مختلفة تهدف إلى الحد من حالات الانتـحار.


جهود الحكومة في الحد من الانتحار


لقد أعطت الحكومات اليابانية المتعاقبة، الأولوية للجهود الوطنية لتعزيز استراتيجية شاملة للوقاية من الانتـحار. وفي الفترة من عام 2006 إلى عام 2022، انخفض معدل الانتـحار بنسبة تزيد عن 35%، وهو ما يعكس جزئياً تأثير الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتـحار التي بدأت في عام 2006. وفي أواخر تسعينيات القرن العشرين، كان الانـتحار موضوعًا محظورًا في اليابان، ونادرًا ما تتم مناقشته علنًا. ولم يكن لدى الأسر المتضررة من الانتـحار أي وصول تقريبًا إلى خدمات الاستشارة أو الدعم. وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان هناك اهتمام اجتماعي متزايد بقضية الانـتحار، وبدأ الأطفال الذين فقدوا والديهم في كسر المحظور من خلال التحدث في وسائل الإعلام عن تجربتهم. في عام 2006، تم جمع أكثر من 100 ألف توقيع من خلال حملة لبدأ منع الانـتحار، حيث تم الاعتراف بالانتحـار كقضية اجتماعية، وليس مجرد مشكلة فردية.

وقد تم ربط جهود الوقاية من الانتـحار عبر 3 مستويات: المستوى الوطني والمجتمعي والفردي

استناداً إلى القانون الأساسي، المبادئ العامة لمكافحة الانتـحار، يحدد نهج مترابط من ثلاثة مستويات للوقاية من الانتـحار:

1. الأنظمة الاجتماعية: مثل القانون الأساسي لمكافحة الانتحـار، وقانون الصحة العقلية والرعاية الاجتماعية ومعالجة الوحدة والعزلة، يوفر إطارًا قويًا للوقاية من الانتـحار.

2. التعاون المحلي: تقديم الدعم الشامل للأشخاص الذين يعانون من مشاكل متعددة

3. الدعم الشخصي: توفير الخطوط الساخنة وخدمات الاستشارة الدعم للأفراد الذين يواجهون مشاكل

وضعت أكثر من 95% من البلديات هذه الخطط وتعمل على تنفيذها.

منظمة JSCP

في فبراير 2020، أصبح مركز تعزيز تدابير مكافحة الانتحـار في اليابان (JSCP) منظمة بحثية معينة. يلعب JSCP الآن دورًا محوريًا في إجراء البحوث والدراسات والاستفادة من النتائج لتنفيذ تدابير شاملة وفعالة لمكافحة الانتـحار، مرتبطة بالسياسات في مجموعة واسعة من المجالات بما في ذلك الصحة والرعاية الاجتماعية والتعليم والعمل. كما يوفر الدعم لتدابير مكافحة الانتحـار العملية على المستوى الإقليمي. 

ندوات ودورات نشر الوعي تناقش طرق منع الانتحار 
ندوات ودورات نشر الوعي تناقش طرق منع الانتحار 

يقدم JSCP مجموعة من برامج التدريب للعامة وكذلك المتخصصين في منع الانتحـار، بما في ذلك المهنيين الطبيين، والمهنيين الإعلاميين، وأولئك الذين يدعمون الأشخاص المفجوعين، وموظفي الحكومة المحلية. وقد نظمت الهيئ الكثير من الأنشطة لمنع الانـتحار كالتالي:

  • دورات تدريبية حول رعاية الناجين من محاولة الانتحـار في مراكز الرعاية الأولية والطوارئ
  • لقاءات دراسية حول تغطية الانـتحار لمحترفي الإعلام
  • التدريب وتبادل المعلومات لمجموعات الدعم لأولئك الذين فقدوا أحباءهم بسبب الانتـحار
  • تدريب عبر الإنترنت لتعزيز الوقاية من الانتـحار في الجامعات
  • تدريب حراس البوابة للمعلمين في المدارس
  • اجتماعات عبر الإنترنت لموظفي الحكومة المحلية

إعداد و تقديم جنة الجندي لمزيد من المحتوى المقدم من الكاتبة، بالإمكان متابعة صفحتها الخاصة عبر فيسبوك.

انضم الآن مجاناً لتصبح عضواً متميزاً في مجلة اليابان للحصول على آخر المستجدات والأخبار من الموقع. مع العديد من العروض والمفاجآت! (اضغط هنا)

صورة المقال الرئيسية:
Photo by Joshua Earle on Unsplash

5 1 vote
Article Rating

اكتب تعليقًا

0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x