معايير الجمال الياباني بين الماضي والحاضر

تمثل معايير الجمال اليابانية مزيجًا من القيم التقليدية التي تجسدها أناقة الغيشا والتأثيرات المعاصرة التي تجسدها ثقافة البوب ​​الياباني عبر النجوم المعاصرين. ويتضمن معيار الجمال المثالي للمرأة اليابانية أن يكون لديها بشرة خالية من العيوب وقوام رشيق وشخصية هادئة. واليوم، تستمر هذه المعايير في التطور، وترحب بالتنوع والفردية مع الحفاظ على الاحترام العميق للأناقة والرقي. فما هي معايير الجمال اليابانية؟ وكيف تطورت عبر التاريخ؟ وكيف تترابط مع باقي الدول؟

تطور معايير الجمال في اليابان

يعود المثل الياباني للجمال المتمثل في تقدير البشرة البيضاء إلى حقبة نارا، عندما كانت النساء اليابانيات يستخدمن مسحوقًا أبيض اللون يسمى ” أوشيروي” للحصول على بشرة أفتح، وهي الممارسة التي استمرت حتى حقبة هيئان كرمز للجمال. ومع ذلك، خلال هذه الحقبة، كانت مستحضرات التجميل متاحة في المقام الأول للنساء النبيلات. ثم توسع الأمر في فترة إيدو (1603-1868) ليشمل عامة الناس.

وكانت النساء اليابانيات خلال هذا الوقت يقمن بنتف حواجبهن وإعادة رسمها، وتزيين الشعر الطويل، ووضع صبغة حمراء مشتقة من نبات القرطم على شفاههن، على غرار الممارسات التي تتبعها نساء الغيشا وفنانو الكابوكي.

تحولت معايير الجمال من تقدير البشرة البيضاء الخالية من العيوب إلى تبني لون بشرة أكثر طبيعية، مع التركيز على استخدام المكياج لتعزيز الجمال الطبيعي للبشرة. ومع بداية التغريب في منتصف القرن التاسع عشر، تراجعت شعبية الوجوه ذات البودرة الكثيفة في اليابان، وساهمت معايير الجمال الغربية في ظهور أنواع مختلفة من جراحات التجميل مثل جراحة الجفن المزدوج في شرق آسيا.
بدءًا من ثمانينيات القرن العشرين، كان هناك تحول بعيدًا عن التأثيرات الغربية حيث اعتنقت المزيد من النساء هويتهن اليابانية بفخر. وبالإضافة إلى التركيز التقليدي على الأناقة والرقي في معايير الجمال، هناك أيضًا قبول واحتفال بثقافة الكاواي . يلفت هذا التحول الانتباه إلى السمات الشبابية وملامح الوجه المستديرة والموقف البشوش.

معايير الجمال اليابانية الحديثة الشائعة

1. بشرة فاتحة بيضاء

البشرة الفاتحة هي أحد معايير الجمال الراسخة في اليابان، فهي ترمز إلى النقاء والنبل. تاريخيًا، كانت النساء ذوات البشرة الفاتحة “مثل نساء الغيشا” يعتبرن أكثر جاذبية ويرتبطن بمكانة اجتماعية أعلى. يستمر هذا التفضيل للبشرة الفاتحة حتى اليوم، مما أدى إلى شعبية منتجات العناية بالبشرة ومستحضرات التجميل التي تهدف إلى تفتيح لون البشرة وتفتيحه.

2. الأنف ذو الجسر المرتفع

في الولايات المتحدة، يستعينون بجراح تجميل ماهر لتصغير حجم الأنف مع ملاءمة محيط الوجه الطبيعي. وفي اليابان، الأمر على العكس، حيث أن جسر الأنف الأقوى والأعلى والأكبر قليلاً يجعل المرأة فريدة من نوعها.

3. وجه صغير نحيف

يعتبر الوجه الصغير من أكثر المعايير شيوعا ورواجا باليابان

4. حجم صغير وجسم نحيف

وفقاً لمقياس الجمال الياباني، تعتبر المرأة النحيفة أو النحيفة أو الصغيرة تتفوق على المرأة ذات المنحنيات المذهلة أو ذات شكل الساعة الرملية. بالطبع هناك استثناءات وتفضيلات شخصية، لكن هذا هو الحال بشكل عام.

5. الرموش المجعدة

من الأشياء الشائعة هي الرموش الصناعية الواضحة. عادةً ما ترتديها النساء الأصغر سنًا، أو يجلسن في القطار ويلصقونها.

تعتبر الرموش هي واحدة من السمات الجمالية العالمية. هذا هو السبب في أن النساء في معظم البلدان يستخدمن الماسكارا لجعل الرموش أكثر سمكًا وامتلاءً وتجعيدًا.

6. الجفن المزدوج

الجفن المزدوج يجعل العين تبدو أكبر. وعلى هذا تعتبر العيون الأكبر حجمًا هي أكثر جمالًا في اليابان.

7. الأرجل الطويلة

أكثر صفات النساء اليابانيات شيوعا. حيث يتباهى بها النساء بغض النظر عن الموسم.

8. شخصية مهذبة وهادئة

إن مفهوم الرقة والرشاقة هو جانب رئيسي آخر من معايير الجمال اليابانية للنساء. وهذا لا يشمل المظهر الجسدي فحسب، بل يشمل أيضًا السلوكيات والوضعية والسلوك. غالبًا ما يتم الاحتفال بالسلوك الرقيق والرشيق، الذي يتميز بصوت لطيف وإيماءات راقية وتواضع، على أنه أنثوي وجذاب. يلعب التواضع أيضًا دورًا في تفضيل المكياج الخفيف واختيارات الملابس البسيطة. غالبًا ما يتم تطبيق مفهوم “الأقل هو الأكثر”، مع التركيز على الجمال الطبيعي وتعزيز ملامح المرء دون أن يبدو مبالغًا فيه أو مبهرجًا.

الجمال ليس جمال المظهر الخارجي فحسب، بل الجمال ينبع من شخصية المرأة أو سلوكها أيضًا. فالمرأة ذات المظهر الخارجي الرائع والجوهر الفاسد، أو الشخصية القاسية، تخفض من جاذبيتها إلى حد ما.

المكياج الياباني الحديث

على النقيض من معايير الجمال الغربية، يفضل الحس الياباني الحديث للجمال الظريف أو كما يعرف محلياً بمصطلح “كاواي” أو الجمال الأنثوي اللطيف. وتلعب مستحضرات التجميل اليابانية دورًا كبيرًا في خلق هذا المظهر. عندما يتعلق الأمر بمكياج العيون، تعتبر “عيون الجرو” الكبيرة المستديرة أو عيون الدمية مثالية، تميل الشفاه الأنثوية الممتلئة إلى أن تكون ملمع الشفاه ثقيلًا وتبتعد عن ظلال أحمر الشفاه الداكنة والمشرقة، باستثناء الأزياء الراقية.

وبينما يركز كل من المكياج الأمريكي والكوري على نحت عظام الخد المرتفعة باستخدام أحمر الخدود، فإن المكياج الياباني ينطوي عادةً على لمسة خفيفة من أحمر الخدود على الخد، أسفل العين مباشرة تقريبًا للحصول على مظهر شبابي. و نظرًا لأن الجراحة التجميلية والإجراءات الجراحية الأخرى غير مستحبة بشكل عام، فإن العدسات اللاصقة الملونة التي تحدد شكل العين، بالإضافة إلى الرموش الصناعية التي تشبه الرموش الصناعية، تُستخدم بشكل روتيني، حيث يضعها العديد من الأشخاص كل يوم للحفاظ على عيونهم مفتوحة على مصراعيها.

 

مكياج مستخلص من الطبيعة

يعتقد اليابانيون أن منع العيوب من خلال الطرق الطبيعية أفضل بكثير من إزالة أو إخفاء العيوب بعد ظهورها. تستخدم النساء اليابانيات تقليديًا أطعمة معينة للحفاظ على بشرتهن صافية، بما في ذلك التقشير بحبوب الأزوكي المطحونة الغنية بمضادات الأكسدة، أو استخدام ماء الأرز لتنظيف البشرة. ولا تشرب النساء اليابانيات الشاي الأخضر بانتظام للحصول على فوائد مضادات الأكسدة فحسب، بل تقوم بعضهن بتبريد الشاي وتطبيقه موضعيًا. يمكن أن يمنح هذا البديل الطبيعي بشرة صافية ومتوهجة، مع تقليل حجم المسام. 

الثقافات والفنون الحديثة والجمال

هناك اتجاه ناشئ نحو تبني التنوع والشمول في تصوير الجمال في اليابان. تلعب منافذ الثقافة الشعبية مثل المانجا والأنمي وثقافة الأيدول دورًا حاسمًا في تشكيل مُثُل الجمال والجماليات. إنهم يتحدون معايير الجمال التقليدية، ويحتفلون بالتفرد، ويدافعون عن إيجابية الجسم. ومن الأمثلة البارزة على ذلك أزياء هاراجوكو، التي تتناقض بشكل صارخ مع معيار الجمال الياباني التقليدي المتمثل في البساطة والنعمة. أزياء هاراجوكو هي أسلوب ديناميكي وانتقائي، يتميز بمزيج حيوي وغير التقليدي من الملابس والاكسسوارات وتسريحات الشعر.

الجمال والقراءة

على الرغم من تراجع وسائل الإعلام المطبوعة في السنوات الأخيرة، لا تزال اليابان تحتفظ بقراء متعطشين للمجلات، ويمكن أن يُعزى ذلك إلى الأغلفة الجمالية، والنصائح المتنوعة، والأنماط المتنوعة، والهدايا المضمنة فيها. المجلات وفيرة في متاجر التجزئة اليابانية، وصالونات التجميل، والمقاهي، إنها تمنح محبي اليابان المقيمين في الخارج لمحة عن تصميمات الأزياء الحالية، ومظهر المكياج، وتسريحات الشعر الرائجة في اليابان، والتي يمكن القول إنها أثرت على معايير الجمال في شرق آسيا على مر السنين.

 اليابان ومعايير الجمال في آسيا والعالم

تختلف معايير الجمال من ثقافة إلى أخرى، ولكنها تميل إلى أن تشكل خطا واضحا في الدول الآسيوية يشجع المظهر البريء والشبابي بشكل عام. وعلى الرغم من أن الدول الآسيوية تتبادل غالبًا اتجاهات الجمال والموضة، إلا أن الثقافة الشعبية اليابانية تميل إلى الانتشار بشكل جيد بشكل خاص في تايوان.

الفرق بين معايير الجمال اليابانية والكورية

بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تتم مقارنة معايير الجمال اليابانية الحديثة بمعايير الجمال الكورية، حيث تقدر كلتا الثقافتين البشرة الصافية والقوام النحيف. ومع ذلك، تختلف أساليبهما في عدة نواحٍ. تضع ثقافتا الجمال اليابانية والكورية تأكيدًا قويًا على العناية بالبشرة باعتبارها حجر الزاوية للجمال. ولكن تركز مُثُل الجمال الكورية على الحفاظ على مظهر شبابي مع الحد الأدنى من العيوب. حيث  يتم قبول الجراحة التجميلية على نطاق واسع، ويفضل الناس روتين العناية بالبشرة مع أسلوب المكياج العصري الذي يعطي مظهرًا شبابيًا من ناحية أخرى. كما تعطي معايير الجمال اليابانية الأولوية للجمال الطبيعي، وهو واضح في اتجاهات المكياج اليابانية التي تميل نحو الجمالية الدقيقة والبسيطة. الألوان الناعمة والهادئة وتقنيات المكياج البسيطة هي منتشرة بشكل شائع في ثقافة الجمال اليابانية.

المعايير اليابانية للرجال

يرتبط المفهوم التقليدي للجمال في اليابان ارتباطًا وثيقًا بمفهوم ” otokorashii “، الذي يُترجم إلى “رجولي” باللغة الإنجليزية. يجسد الرجال اليابانيون الرجولة ويظهروا الثقة في أفعالهم وسلوكهم. وعادةً ما يتضمن المظهر الرجولي المثالي في اليابان وجود خط فك حاد وملامح وجه مميزة وقامة طويلة. ويُنظر إلى هذه الخصائص على أنها رموز للقوة والحيوية. كما تعمل عادات العناية الشخصية، مثل الحفاظ على لحية أو شعر وجه مشذب جيدًا، وتصفيف الشعر بطريقة رجولية، وارتداء ملابس مصممة خصيصًا، على تعزيز صورة الرجولة هذه.

التداعيات النفسية

إن المثل العليا للجمال في اليابان، والتي تركز على البشرة الخالية من العيوب والأجسام النحيفة، يمكن أن تؤثر بشكل عميق على احترام الأفراد لذواتهم وصورة أجسادهم وهويتهم أثناء سعيهم لتلبية هذه المعايير. إن الضغط المجتمعي على معايير الجمال المحددة، مثل البشرة الفاتحة والملامح الدقيقة، قد يخلق ضغوطًا للامتثال، مما يؤدي إلى الشعور بعدم الكفاءة أو انعدام الأمان يمكن أن يسبب مشاكل تتعلق بصورة الجسم مثل عدم الرضا والخجل والممارسات غير الصحية مثل اتباع نظام غذائي قاسي أو ممارسة الرياضة المفرطة لتحقيق المظهر المطلوب. تؤثر معايير الجمال هذه بشكل جماعي على احترام الأفراد لذواتهم وصورة أجسادهم وهويتهم، مما يؤدي إلى ضائقة نفسية.

إعداد و تقديم جنة الجندي لمزيد من المحتوى المقدم من الكاتبة، بالإمكان متابعة صفحتها الخاصة عبر فيسبوك.

انضم الآن مجاناً لتصبح عضواً متميزاً في مجلة اليابان للحصول على آخر المستجدات والأخبار من الموقع. مع العديد من العروض والمفاجآت! (اضغط هنا)

صورة المقال الرئيسية:
Photo by Micah Camper on Unsplash