شبح الحرب النووية

شبح الحرب النووية
شبح الحرب النووية

لم يستغرق الأمر الكثير من الوقت حتى قامت روسيا بالإعلان عن انسحابها من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى كرد فعل سريع، عقب إعلان وزير الخارجية الأمريكي بومبيو عن انسحاب بلاده من المعاهدة بحجة وجود مخالفات روسية بإقامة منظومة صاروخية برية.

الأمر الذي نفته المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا خلال برنامج بثته محطة تلفزيونية روسية في يوم الجمعة الموافق 2 فبراير، قائلةً  أنّ الولايات المتحدة لم تقدم أي دليل على أن روسيا قد انتهكت المعاهدة. فلا توجد صور ملتقطة بالأقمار الاصطناعية ولا محاضر تنصت ولا إفادات شهود. وفي سياقٍ متصل، قال رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس النواب الروسي ليونيد سلوتسكي إن الولايات المتحدة تعمل على تعزيز قدراتها الصاروخية بما في ذلك الأسلحة النووية. وأضاف أن أي سباق تسلح جديد سيكون له تأثير سلبي كبير للغاية على الأمن على مستوى العالم. كل هذه الأحداث المتسارعة جرت بعد الإعلان الفجائي للولايات المتحدة عن عزمها على الانسحاب من المعاهدة، ولم تقف الأمور عند هذا الحد وحسب، بل تعدى ذلك إلى الحلفاء أيضاً.

نفي روسي قاطع للاتهامات الأمريكية
نفي روسي قاطع للاتهامات الأمريكية

حيث أعلن حلف شمال الأطلسي (الناتو) دعمه الكامل للتحرك الأمريكي، و مؤكداً على انفتاح الولايات المتحدة وحلفائها للحوار وسط نفي روسيا انتهاكها للمعاهدة و رفضها تقديم أي رد موثوق، حيث أنها “لم تتخذ أي خطوات واضحة نحو العودة للالتزام بالمعاهدة بشكل كامل ويمكن التحقق منه” وفقاً لما ورد في بيان الناتو.

تأكيد اليابان على المساعدة في حال لو تم فسخ المعاهدة النووية
تأكيد اليابان على المساعدة في حال لو تم فسخ المعاهدة النووية

من جهتها، أكدت الحكومة اليابانية تفهمما لقرار انسحابها من المعاهدة على الرغم من أنها وصفته بأمر غير مرغوب فيه، فالمعاهدة لعبت دوراً كبيراً في التخلص من الكثير من الأسلحة النووية. لذلك تتفهم قرار الانسحاب وسط الانتهاكات الروسية لهذه المعاهدة على حد تعبير الحكومة اليابانية، و أضاف وزير الخارجية الياباني  بأنه في حال تم فسخ المعاهدة فإن اليابان ستعمل مع الولايات المتحدة و روسيا والصين ودول معنية أخرى للمساهمة في إعداد إطار عمل دولي مشترك جديد لنزع الأسلحة النووية.

وقد دعا “كوئيتشي كاوانو”، أحد الناجين من القصف الذري على اليابان كلاً من الزعيمين الأمريكي والروسي للوفاء بمسؤولياتهما بعد إعلان الولايات المتحدة عن انسحابها من المعاهدة، ويُعد “كاوانو”، رئيساً للمجلس الياباني المناهض للقنابل الذرية والهيدروجينية المعروف بـ “غينسويكين”. كما دعا “كاوانو” الرئيسين الأمريكي والروسي للاستماع إلى آراء الناس حول العالم والوفاء بالتزاماتهما بصفتهما زعيمي دولتين كبريين. وقال “كاوانو” إن عدد الرؤوس النووية المتبقية بعد التوقيع على المعاهدة 14500 رأس نووي، إلا أن إلغاء المعاهدة سيؤدي إلى  زيادة هذا العدد.

مخاوف كبيرة تشاركها ناجون آخرون من القصف الذري على مدينة ناغاساكي في عام 1945، حيث دعوا دونالد ترامب على التراجع عن قراره بالانسحاب من معاهدة الحدّ من الأسلحة النووية مع روسيا. وأعربوا عن مخاوفهم حيال انخراط الولايات المتحدة في سباق تسلح نووي جديد مع روسيا والصين. 

مستقبل غامض في الأفق

جاء الإعلان المفاجئ للولايات المتحدة من المعاهدة مع شروط للإبقاء عليها، حيث قال وزير الخارجية الأمريكي “بومبيو” بأن الاتفاقية سيتم إلغاؤها كلياً في حال لو “لم تعد روسيا إلى الامتثال الكامل للمعاهدة” وفقاً لتصريح وزير الخارجية الأمريكي. ويبدو أن مطالب الولايات المتحدة بعيدة المنال؛ حيث أعلن الرئيس الروسي “بوتين” عن تعليق موسكو التزامها بمعاهدة نزع الصواريخ متوسطة وقريبة المدى كرد فوري على انسحاب واشنطن منها. بل أصبح هناك تبادل علني بالاتهامات، حيث صرح الرئيس الروسي بأن أميركا هي بنفسها من تقوم بانتهاكات للمعاهدة وذلك بنشرها صواريخ ومنصات إطلاق في أوروبا.  وعبر “بوتين” عن تأييده الكامل لاقتراح وزارة الدفاع الروسية في البدء بالعمل على نشر صواريخ مجنحة متوسطة المدى. وأكد “بوتين” أيضاً على أن روسيا لن تبادر لإجراء مفاوضات جديدة حول قضايا نزع الأسلحة، لكن إن وجدت أية اقتراحات أو مبادرات من الولايات المتحدة ستكون بلاده مستعدةً  للرد عليها.

تراجع الثقة بين واشنطن و موسكو

أصدرت الخارجية الروسية بياناً صرحت فيه بأن “الأمريكيين قد أصبحوا يعتبرون أنفسهم غير مقيدين بالالتزامات المنصوص عليها في الاتفاقية، ما يعني أنه “بإمكانهم البدء بشكل علني بتطوير وإنتاج ونشر الأسلحة المحظورة بموجب الاتفاقية”. وأشارت الوزارة إلى أن واشنطن بخطوتها هذه قد أثبتت الشكوك التي كانت لدى موسكو طوال سنين بشأن مدى التزامها بالاتفاقية، وأنها تسلك مسار التدمير النهائي لهذه الاتفاقية.  و شددت روسيا على أن الولايات المتحدة بانسحابها من معاهدة الصواريخ، “بأنها قد وجهت ضربة ساحقة لنظام مراقبة الأسلحة بأكمله والذي كان قد تطلب إنشاؤه جهودا كبيرة على مدى عقود”، مؤكدة أن هذه الخطوة “ستكون لها عواقب سلبية خطيرة وبعيدة المدى على البنية الكاملة للأمن الدولي والاستقرار الاستراتيجي في أوروبا بالدرجة الأولى”. و حملت موسكو الجانب الأمريكي كامل المسؤولية عن تدمير المعاهدة، لافتةً إلى أن واشنطن ومنذ فترة طويلة، بدأت اتباع سياسة تهدف إلى تقويض الاتفاقية “للتخلص من القيود التي تكبح طموحاتها لزيادة قدراتها الصاروخية”. وفقاً لما ورد لدى موقع التلفزيون الروسي RT.

ولذلك أكدت الخارجية الروسية بأن موسكو مضطرة لاتخاذ كل ما يلزم لضمان أمنها واستقرارها  في ظل التهديدات الجديدة التي تخلقها واشنطن بالانسحاب من المعاهدة. وعلى الرغم من ذلك أكدت موسكو على انفتاحها للحوار بشأن معاهدة الصواريخ ومسائل أخرى تتعلق بالاستقرار الاستراتيجي.

غورباتشوف و ريغان أثناء توقيع المعاهدة
غورباتشوف و ريغان أثناء توقيع المعاهدة

وقد زادت حدة المخاوف كثيراً بعد الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، وتساءل الناجون من القصف الذري في اليابان وكذلك المراقبون المطلعون على المعاهدة عن مدى جدية واشنطن و موسكو بالانفتاح على الحوار، و في نفس الوقت جاء إعلان كل منهما بالتوقف عن الالتزام بالمعاهدة، فإن كانت الشكوك لدى واشنطن و موسكو أكبر بكثير من ثقتهما بالجانب الآخر، فكيف سيتم الحوار طالما أن الأفعال على الساحة الدولية تناقض التصريحات والوعود بخلق مناخ أفضل لمعاهدة الحد من الأسلحة النووية؟ وإن كانت الولايات المتحدة حريصة على الحوار والأمن العالمي، كيف يمكن أن تقنع روسيا بالتزامها بالمعاهدة في حين أن واشنطن هي من بادرت بالانسحاب منها؟ ألم يكن من الأجدر أن يتم البدء بالحوار تحت مظلة هذه المعاهدة؟ أسئلةٌ كثيرة تؤرق الكثير من المهتمين بمصير هذه المعاهدة (معاهدة الصواريخ النووية متوسطة و قصيرة المدى) التي تم توقيعها في أواخر عام 1987 ودخلت حيز التنفيذ في عام 1988. وقد وقع على الاتفاقية كلاً من الرئيس الأمريكي “رونالد ريغان” و رئيس الاتحاد السوفيتي آنذاك “ميخائيل غورباتشوف”. حيث تم التخلص من الأسلحة ومنصات إطلاق الصواريخ الأرضية متوسطة و قصيرة المدى، حيث بلغ عدد الصواريخ والأسلحة التي تم التخلص منها نحو 3000 صاروخ بعد مرور 10 سنوات على توقيع المعاهدة.

لكن بعد الانسحاب من المعاهدة قد يشهد العالم مرحلة جديدة من السباق المجنون في التسلح ليتم تطوير أسلحة نووية فتاكة ذات قدرات تدميرية أكبر بكثير من القنبلتين النوويتين اللتين تم إلقاؤهما على هيروشيما و ناغاساكي، وقد تم الاستعراض في مقال سابق مقارنة مخيفة لمدى القوى التدميرية للأسلحة النووية المعلن عنها حالياً (اضغط هنا)

5 1 vote
Article Rating

اكتب تعليقًا

16 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Khitam
Khitam
1 سنة

يبدو أن أحدا ما يريد تطوير الأسلحة النووية وهذا بحد ذاته يدعو إلى القلق

ヤコブ 先輩
1 سنة

يبدو أن نهاية العالم ستكون بالصواريخ النووية على يد المتطرفين من البشر مع الاسف.

ヤコブ 先輩
1 سنة

لا احد يتمنى ان تكون هناك حرب نووية بين اي دولتين على الاطلاق

Mustafa Al-khalidy
Mustafa Al-khalidy
1 سنة

لا نريد اي حرب بين اي دولتين

Mustafa Al-Khalidy
Mustafa Al-Khalidy
1 سنة

البشرية لا تتعلم وكما قال اينشتاين الحرب العالمية الثالثة لا اعرف باي اسلحة ستتم ولكن الرابعة ستكون بالعصي والحجارة

مروى
مروى
1 سنة

وكأن شبح الحرب النووية يعود بصورة مخيفة من جديد

نصرالدين الليبي

يجب منع الاسلحة النووية في جميع الدول العالم قبل فوات الاوان وتدمير الكرة الارضية

نصرالدين الليبي

الأسلحة النووية هي أخطر الأسلحة التي عرفها الإنسان على الإطلاق فهي قادرة على تدمير مدن بأكملها وقتل الملايين من الناس في لحظات

Enji
Enji
1 سنة

لابد من أن نهاية العالم ستكون نووية!

Enji
Enji
1 سنة

هل سيظهر شبح الحرب النووية من جديد؟

Yashiro
Yashiro
11 شهور

يبدو انها ستكون حربا عالمية ثالثة بأسلحة نووية للاسف

Khitam
Khitam
11 شهور

أن الحوار جاد حقا ومرعب نوعاً ما

Khitam
Khitam
11 شهور

أن الخطوة التي قامت باتخاذها أميركا تجاه المعاهدة أمر يدعو للقلق

Khitam
Khitam
11 شهور

يجب أن تمنع الأسلحة النووية وجعلها محرمة عالمياً

Khitam
Khitam
11 شهور

لماذا إرادوا الخروج أو الانسحاب من المعاهدة ما السبب

Khitam
Khitam
11 شهور

على الرغم أنه يجب تطوير الأسلحة لكن هذا لا يعني أنه يجب أن نستخدمها ضد بعضنا

16
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x