قبل نشأة الهنتاي، عُرف اليابانيون كغيرهم من الشعوب الآسيوية بالقدرة الجميلة في فن الرسم، ولا أدل على ذلك من التراث الغني لدول شرق آسيا والمتمثلة في المعابد التي تزخر بالزخارف والرسوم التي تخطف الأنفاس، ناهيك عن الرسومات للإنسان والحيوانات والنباتات التي يخال للمرء أنها ستخرج حيةً من مكانها لدقة رسمها وبراعة راسمها. ويبدو أن براعة الإنسان وحسه الفني يقفز محلقاً ومبتعداً عن حسه الإنساني الطبيعي عندما لا يرى سبيلاً نيراً يسترشد به، لتتحول تلك البراعة إلى سواد ملون بالرسوم، ويتحول معه ذلك الإبداع إلى سلاحٍ مُبتكرٍ للربح والترويج لقيم العنف والجنس، فما الذي حول تلك الرسوم التي تروي قصصاً من التاريخ إلى أفلام ومسلسلات كرتونية يابانية تحاكي الإنسان بالعنف والجنس؟
قبل الخوض في غمار القيم الأخلاقية بالرسومات الكرتونية اليابانية، لابد من معرفة بعض الحقائق بمجال الرسم في اليابان التي وصلت التجارة فيه إلى ملايين الدولارات حول العالم، و تمثل المانغا المادة الأساسية للرسوم الكرتونية اليابانية، وتعبر المانغا عن الكتب الأدبية المرسومة بشكل كرتوني، وقد انتشرت المانغا في اليابان و لاقت رواجاً هائلاً بين مختلف فئات الشعب الياباني، وبعد نجاحها محلياً انتشرت في أنحاء العالم وانتقلت إلى كل أوروبا وأميركا.
ويتم استخدام الصورة المرسومة في هذا النوع من الأدب بالإضافة إلى النص المصاحب لها، وتتناول مواضيع مختلفة وتخاطب شرائح المجتمع كافة، إذ أنها لا تقتصر على الاطفال كما يعتقد البعض، بل إن أكثر رواد هذا النوع من كتب الرسومات الكرتونية هم من الكبار والبالغين. ومن الكتّاب اليابانيين الذين برعوا في هذا الاتجاه “جو ناغاي” صاحب مغامرات الفضاء المعروفة بالنسبة إلى الجمهور العربي، وكذلك “أوسامو تيزوكا” الذي يعد الأب الروحي للمانغا الحديثة.
وقد أخذت المانغا صورتها الأولى في اليابان كقصص مرسومة للناس خلال حقبة الإيدو الممتدة بين عامي 1603 و 1868، حين تشكلت العلاقة بين الرسم والكتابة في القدرة على التعبير، و وصلت إلى صيغة مهيئة لظهور المانغا، وتذكر بعض الدراسات بأن المانغا صينية الأصل، وانتقلت إلى اليابان فيما بعد، وقد كانت تروي المانغا آنذاك قصصاً وحوادث ووقائع سواءً كانت خرافية أو حقيقية، وقد بدأ التحول الفعلي في تناول المانغا لموضوعات الجنس والعنف إبان الثورة التعبيرية للغة المانغا التي اشتعلت خلال فترة من الستينات والسبعينات من القرن الماضي. لتبدأ بعد ذلك المرحلة الثانية من مراحل تحول المانغا، حيث تحولت من الرسومات الثابتة إلى الرسومات المتحركة، لتدخل المانغا عالم الأنمي.
وفي اليابان قاعدة تقول: “إذا كان بالإمكان القيام بعمل فيلم بممثل حقيقي، فبالإمكان أيضاً صناعة فيلم بممثل كرتوني”، لذلك شهدت صناعة الأنمي انطلاقة فعالة و قوية والتي احتفظت إلى الآن بقوتها المميزة لها في الدقة، والتفاعل، والتلوين، والخلفيات، وقبل كل ذلك في ملامح وجوه الشخصيات.
وبالحديث عن الشخصيات في الأنمي فهي تتسم بالتعقيد، وفي بعض الأحيان يبدو أن الفاصل بين الطيب والشرير صعباً وغامضاً. ومنذ تلك الفترة كانت أعمال الأنمي متأثرةً بمواضيع رسومات المانغا التي كانت تطرحها من قبل مثل العنف والموت والجنس. وقد بلغ حجم عائدات الاقتصاد الياباني من قيمة الصادرات في مجال الترفيه والرسوم المتحركة ما يعادل 17.1 مليون دولار أمريكي في عام 2002م، و وفقاً لدراسة معهد “ماروبيني” للأبحاث بطوكيو، فإن 60% من الرسوم المتحركة في العالم يتم إنتاجها في اليابان.
وقد أخذت الثقافة اليابانية بالانتشار على نطاق واسع حول العالم منذ الثمانينات، وذلك من خلال الأجهزة الإلكترونية والفن والعمارة والموضة لدرجة أن الأسواق الأميركية أصبحت متأثرةً بهذه الثقافة بحسب مقال تم نشره في مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية عام 2003. وقد أخذت العديد من تلك الرسوم والأفلام وكذلك المسلسلات طريقها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليكون لها عشاقها ومتابعيها، حيث تصدر اليابان العديد من أفلام الرسوم المليئة بالعنف والدماء وتبث عبر التلفزيون، بمعدل مرتفع عما هو معروض في تلفزيونات الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، ولم تقتصر المانغا اليابانية على التصدير بل أخذت بالتأثير أيضاً، فمسلسل “عودة بات مان” الذي أنتجته شركة “وارنر بروذرز” الأمريكية تم إنتاجه في الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن التأثير الياباني في القتال والحركة أخذ موضعه من ذلك المسلسل الأمريكي.
بل وصل حد التأثير إلى درجة أن القنوات الأمريكية بدأت ببث المسلسلات اليابانية بصورة متكررة وغير مسبوقة نتيجة الطلب المتزايد على تكرارها ومشاهدتها، فقناتي “فوكس” و “دبليو بي” وأيضاً قناة “كرتون نتوورك” أصبحت تعرض مسلسلات مثل “ديجيمون” و “بوكيمون” بشكل متكرر خلال أيام الأسبوع.
وأصبحت مجلات المانغا تُنشر و تُطبع في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعدى الأمر ليصل إلى الرسوم الكرتونية الجنسية “مانغا الجنس” لتتأثر بها الكثير من المسلسلات والأفلام الكرتونية اليابانية، فقد ظهرت موجة تسمى بأفلام الجنس الكرتونية أو “هنتاي”، وقد شكلت كارثة على صناعة الرسوم الكرتونية المتحركة اليابانية المحافظة على عاداتها، ورغم أن الرسوم المتحركة اليابانية تحتوي على الكثير من التلميحات الجنسية والتعري الفاضح، إلا أن صناع الرسوم المتحركة الكبار في اليابان هاجموا صنّاع الهنتاي.
و كلمة “هنتاي” اليابانية تستخدم خارج اليابان، وبالخصوص في الدول الغربية والكثير من البلدان المتحدثة باللغة الإنجليزية، للدلالة على الرسوم المتحركة اليابانية والمجلات، وألعاب الفيديو التي تحتوي على الموضوعات والصور الإباحية والجنسية.
تحوّل مفاجئ .. و خروج عن التقاليد
ربما يبدو غريباً أن تخرج مثل هذه الصناعة من لدن مجتمع محافظ كالمجتمع الياباني الذي يعرف عنه تمسكه بتقاليده والمحافظة على الكثير من قيمه الاجتماعية، إلا أن الحقيقة بأن الكثير من اليابانيين قد تخلوا عن الطابع المحافظ واتجهوا للأفلام الجنسية منذ الثمانينات، ويبقى السؤال حول أسباب انتشار هذه الألعاب في اليابان بشكل أكثر من بقية الدول فالجواب يأتي من اختلاف الواقع الياباني عن الأوروبي والأمريكي، ففي أميركا وأوروبا، بإمكان أي شخص أن يدخل إلى صالات التعري والدعارة، أو أن يحصل على متعته في الشارع، وهذا الأمر لا يوجد بتلك الطريقة المنفتحة كلياً في اليابان حيث يضطر الياباني البحث عن بدائل، وقد يكون البديل افتراضياً أيضاً! ولم يخفِ “مايك لايزو” استغرابه، وهو المدير المساعد للبرامج والإنتاج في قناة “كرتون نتوورك” حيث أبدى تعجبه واستغرابه من حقيقة أن الكثير من أفلام العنف الكرتونية يتم إنتاجها في أقل البلدان في معدلات العنف في العالم!
وفي مقالة له عن المانغا، ذكرالكاتب الياباني “فيوسانوسيوكي ناتسومي” بأن الجنس والعنف ليسا أكثر من مجرد مواضيع تتناولها المانغا كغيرها من المواضيع، وذلك اعتماداً على التقارير التي تكشف الرأي العام حول التفاعل المقاس مع مواضيع المانغا الكرتونية، يتبين مدى الحقيقة التي تطرحها المانغا والتي تعبر عن انعكاس للكبت في داخل المرء الياباني والتمييز بين ما هو حبيس في النفس وما هو حر طليق.ويبدو أن الأنامل اليابانية المبدعة بالرسم، قد تخطت تقاليد مجتمعها وتراثه، لتطلق العنان لنفسها في عالم تبسط سيطرتها عليه دون غيرها، حتى أن الولايات المتحدة بنفسها أصبحت مخدرةً بالفن الياباني المليء بالعنف والإباحية، والذي شغل مساحة كبيرة في القنوات الأمريكية والأوروبية، فضلا عن المواقع الإلكترونية والمجلات وألعاب الفيديو، فهل يشكل اليابانيون قيم العالم الافتراضي الجديد؟
الكاتب: جعفر حمزة
مؤلف وكاتب بحريني و مؤسس شركة BOXOBIA للخدمات التسويقية الإبداعية.
ومؤلف كتاب I Love My Doll, The Love Duly Between Human and Doll
محاضر في التسويق والإبداع والهويات البصرية، وحاصل على الجائزة الفضية في الإبداع من Creativity Awards في نيويورك.
مبتكر لخط جديد يدمج بين الخط العربي والنمط العام لخطوط الشرق الأقصى كاليابانية والصينية باسم الخط الصعربي.
الموقع الشخصي للكاتب:
الحساب الشخصي على إنستغرام:
https://www.instagram.com/jaafar_hamza/
حساب شركة BOXOBIA على إنستغرام:
https://www.instagram.com/boxobia/
شكراً
مقال جميل جدا
معلومات هامة
مقالات تعرفنا بشتى المجالات الثقافية و الاقتصادية و الرياضية
في اليابان جميل و رائع.
اخالفكم الراي هذا متجذر و هذا العمل tako to ama ل هكيساي اشهر من داعش
عصر المانغى الذهبي ولى اصبحت صناعة تجارية تنتج ما يحب المشاهد ما هو رائج و متشابهة كل ما انت بحاجة اليه هو كمية من الكريات الحمراء العري و العنف
وتوجهت ايضا لخدمة المصلة العامة اليابانية خذ مثلا ناروتو و دراغون بول كل الابطال انجبوا بهذا هم يحثون المراهقين ان يحذو ا حذو ابطالهم و ينجبوا كي لا يفنى الشعب بعد عقود ولا داعي للحديث عن مكانة الفتاة في المنغا و الانيمي
االتشجيع على زنا المحارم و البيدوفيليا في الهنتاي الالات التي توزع ملابس داخلية نسائية مستعملة المجلات الخليعة المرفوفة على مراى من الاكفال و لو انهم ازالوها بقروم الالعاب الاولمبية قبل ان تلغى و ما خفي اعضم هذا ليس تحررا هذه بشاعة
اظن السبب هو ظهور العلمانية اذ تتحكم في الاستديوهات المنتجة للمانغا والانمي في الانتاج حيث مؤخرا لم يعد يسمح للكاتب بابداعه وانما يقيد بشروط وعوائق كبيرة واموال طائلة اضافة الى ظهور ما يعرف بالتنازل عن الحقوق في اليابان فقد اصبحت الاستديوهات تضيف وتقلص على مزاجها خارج مطلوب المخرج رغم دفعه للمال الطائل هذه الاستديوهات محكومة من قبل اروبيين وامركيين اغلبهم من اليهود افسدوا العالم علبهم لعنة الله
مقالة رائعة
Nice report
هذه الأمور أصبحت في كل مكان و الانمي لايس الي شيء عادي مقارنة بي الأشياء الأخر كا الافلام الامريكيه و المسلسلات و غيره كل مافي الأمر هوا نفس الإنسان اي المشاهد عليه أن يتحلى بي الأخلاق قبل كل شي و ايضن اي نوع من الانمي انت تشاهد لان الذي يريد مشاهدة اشياء سيء يمكن ان يجدها في اي مكان و ليس في الانمي
عالم المانغا والانمي انتشر سريعا و ٦٠٪من الرسوم الكارتونية العالنية تنتج في اليابان
مقالة رائعة جداا احب كل شيء يتعلق باليابان وحلمي الكبير هو زيارتها يوما ما
حتى ان المانغا والانمي كانوا سبباً في تعلم الرسم ليصبح هوايتي المفضلة منذ صغري
انتشار الهنتاي في المجتمع الياباني المحافظ دليل كبت وعدم مصارحة ومصالحة ورضا عن النفس…اعتقد ستظهر موجة جديدة من الرسومات أو الفن يعبر اكثر عن الواقع
رغم هذا هنتاي تصنيف جيد في نظري
يبدو أن العالم يصبح أكثر ظلاما وسوءا
وان المانغا مع الاسف اخذت منحدرا خاطئا أودى بها إلى هذه الحالة
بالنسبة للمانغا والانمي المحترمة فمرحبا بها مادامت نظيفة واخلاقية، وان خرجت من نطاق الاخلاق فغير مرحب بها عندنا.
المانغا النظيفة الهادفة جيدة وتحوي قيما ومبادئ جيدة للاطفال
حسنا ليس مستغربا هذا الأمر، أعني أنه حتى البلدان المتدينة أمثالنا للأسف مستوى الفن لدينا لايستحق أن يسمى فنًا أصلا لكثرة مايحتوي من قذارة
أيضا أرى ان الاتجاه الى الهينتاي ليس نابعا عن كبت، بل نابعا من التأثر بالثقافة الأمريكية بكل تأكيد
لكن أرى استعمال كلمة هينتاي في المقال خطأ، بل الأصح استعمال كلمة ايتشي
لأن الهينتاي هو تصنيف اباحي بالكامل، ومن الطبيعي عدم متابعتنا له لذلك لن نتطرأ له بأي شكل حتى ننتقد تدخله إلى عالم الانمي اصلا
اما الإزعاج الحقيقي فهو الإيتشي، الإيحاءات الجنسية التي تطرأ على مانغا تصنيفها ليس إباحي أصلا، يوضع الإيتشي لزيادة متعة القارئ والاستمرار بالقراءة لأطول فترة
هناك الكثير من الانميات التي كانت تصلح للمشاهدة العائلية لولا مشاهد الإيتشي غير المفيدة لتطور القصة أصلا
ومن هنا بدأ يتطور مفهوم فان سيرفيس وماشابهه
حتى ظهر الأسوأ وهو تصنيف الياوي واليوري الداعم للألوان، انميات كاملة كلها عن هذه القصص أصلا، وقد تكون هينتاي أو رومانس فقط
نشكر الكاتب جعفر حمزه على هذا المقال الرائع
اعتقد ان الانترنت له دور كبير في هذا الفن الاباحي
الرأي العام في اليابان يعتبر الهنتاي محتوى مختلف عن المانغا العادية وقد تكون الآراء تتفاوت بشأنه