في 30 يونيو/حزيران 2019 انسحبت اليابان بشكلٍ رسمي من اللجنة الدولية لصيد الحيتان ثم استأنفت الصيد التجاري للحيتان في اليوم التالي. وكانت اليابان قد انضمت للجنة الدولية لصيد الحيتان في عام 1951، وتوقفت عن الصيد التجاري للحيتان في 1986، بعد موافقتها على قانون اختياري من قبل اللجنة الدولية لصيد الحيتان. وأدى قرار انسحاب اليابان من اللجنة إلى موجات غضب دولية واسعة، وانتقادات داخلية وخارجية، وصفت سياسة اليابان بأنها إجرامية بحق الحيتان، وفي بعض الأحيان كانت تلك الانتقادات “عاطفية أكثر من منطقية”. في هذا المقال سنناقش لماذا تستمر اليابان بسياسة اصطياد الحيتان رغم انتقادات المجتمع الدولي لهذه السياسة.
اصطياد الحيتان تاريخياً في اليابان:
تقع اليابان في أقصى شرق آسيا وهي مكونة من أرخبيل من الجزر وسط المحيط يتكون من أكثر من 6000 جزيرة (4 منها هي الجزر الرئيسية)، وبسبب كونها بلداً يحيط به الماء من كل جانب، اعتمدت على صيد الأسماك والطعام البحري كنظام غذائي منذ آلاف السنين، حيث تُكون لحوم الأسماك جزءاً كبيراً من المائدة اليابانية منذ قرون.
وتشير بعض السجلات إلى أن السكان الأصليين لليابان اعتادوا اصطياد الحيتان منذ سنوات ما قبل الميلاد (قبل أكثر من 3000 سنة)، مما جعل اصطياد الحيتان تقليداً عريقاً في هذه الدولة الساحلية التي لا تمتلك موارداً غنية كباقي الدول. وفي عام 1934 ميلادية تطورت تجارة اصطياد الحيتان في البلاد مع دخول السفن التي تعمل بالمحركات البخارية، لذلك تمكن الصيادون اليابانيون من اصطياد الحيتان في مياه القطب الشمالي البعيدة عن المناطق اليابانية الساحلية.
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية وإلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغاساكي، دُمر الاقتصاد الياباني كلياً، وكان الطعام واللحم على وجه الخصوص نادراً جداً في المجتمع الياباني بعد أن مرت البلاد بمجاعة شديدة طالت أرواح الآلاف (نتيجة الحرب والحصار الأمريكي آنذاك). فاتجهت اليابان في عام 1946 لتأمين القوت واللحم لشعبها عبر الحصول على اللحوم من البحر.
حيث كانت الحيتان أكبر مصدرٍ للبروتينات ولها مكاناً خاصاً على المائدة اليابانية، ونتيجةً لذلك كبر جيلٌ كامل من اليابانيين وهم معتادون على تناول لحوم الحيتان في مدارسهم! ومع مرور السنين وتقدم اليابان الكبير لتصبح ثالث أكبر اقتصاد عالمياً، تغيرت الأجيال وبات الطلب على لحم الحيتان أقل شيوعاً من قبل نتيجة توافر أطعمة كثيرة أخرى، وازدهار الاقتصاد مقارنة بسنوات المجاعة والعوز التي شهدتها البلاد قبل وبعد الحرب العالمية الثانية. حيث يشكل لحم الحيتان حالياً نسبة ضئيلة جداً من المائدة اليابانية مقارنةً بالماضي.
اقرأ أيضاً: الكوتو: بين أصالة الماضي وحداثة الحاضر
صيد الحيتان لأغراض البحث العلمي:
كان قانون اللجنة الدولية لصيد الحيتان في عام 1986 حول وقف صيد الحيتان التجاري اختيارياً، حيث أتاح القانون للدول الأعضاء، الرفض مع الاستمرار بالصيد التجاري للحيتان بدون مشاكل سوى بعض الانتقادات بين الحين والآخر، ومن بين الدول المستمرة بالصيد التجاري حتى الآن آيسلندا والنرويج وغيرها من الدول الأوروبية. كما أتاح القانون الاختياري استثناءً للدول الموافقة، وإمكانية لصيد الحيتان تحت مسمى “البحث العلمي” فقط.
ومن خلال هذا الاستثناء استمرت اليابان بعد عام 1986 باصطياد حيتان المنك غير المهددة بالانقراض والتي يتوافر حوالي بين 250 ألفاً – 750 ألفاً منها في المحيط الهادي وفق الإحصاءات الحديثة من وزارة الزراعة، الغابات والثروة السمكية اليابانية، وذلك لأهداف البحث العلمي في مياهها الإقليمية والحصرية فقط (مع توقفها عن الصيد التجاري رسمياً). حيث تقول الحكومة اليابانية أنها وافقت على القانون الاختياري، دعماً لمساعي اللجنة الرامية لتحقيق صيد حيتان مستدام من خلال حماية أعدادها. ولكن مع الوقت لم تتمكن الحكومة اليابانية من إيجاد أرضية مشتركة مع الدول المناهضة لصيد الحيتان طوال العقود الماضية، مما أدى لقرار الانسحاب الأخير.
وكانت اليابان تصطاد حيتان المنك خلال حقبة صيد “البحث العلمي” للحيتان بأعداد محدودة، وهي حيتان تتوافر بأعداد كبيرة وغير مهددة بالانقراض على عكس أسماك مثل التونة وغيرها، مما جعل منطق الدول المناهضة لنشاط صيد الحيتان بحجة أنها مهددة بالانقراض، غير عقلاني ويستند للعاطفة أكثر. واشتدت حدة التوتر حول اصطياد الحيتان بين اليابان والدول المناهضة بعد أن تركزت الانتقادات حول سياسة اليابان فقط، بالرغم من أن باقي الدول تستمر بالصيد التجاري حتى الآن وذلك رسم صورةً بأن مناهضة هذا الأمر هو تدخل في الشؤون اليابانية ومحاولة تغيير موروث ثقافي عريق وتقليد قديم.
اقرأ أيضاً: ما سبب تراجع عدد السكان في اليابان؟
وجهة نظر المجتمع الدولي واستمرار اليابان بالصيد:
من وجهة نظر المجتمع الدولي والمنظمات البيئية، فإن اصطياد الحيتان هو أمرٌ بربري وقاسٍ، كونها من الثديات الذكية والتي تتفوق على الكثير من الكائنات البحرية، حيث أصبح الحوت رمزاً للدفاع عن الحياة البحرية لدى البعض، كما هو الباندا الذي يتم استخدامه كرمز من أجل الدفاع عن الحياة البرية والحيوانات الظريفة.
وهو جدالٌ جيد نظراً لأهمية الحياة بشتى أنواعها، ولكن يغفل بهذا المنطق أن هناك دولاً أخرى تقوم بالاصطياد التجاري للحيتان على نطاقٍ أكبر من اليابان مثل آيسلندا، النرويج والدنمارك، كما يغفل أن الطلب على لحم الحيتان في اليابان يتراجع باستمرار لأسباب كثيرة، فوفق إحصائية لعام 2006 قامت بها منظمتي “غرين بيس” و “مركز بحوث اليابان” المستقلة أن 95% من اليابانيين لا يتناولون لحم الحيتان أو يتناولونه بشكلٍ نادرٍ جداً.
وكشفت الإحصائية أن مخزون اليابان من لحم الحيتان يرتفع بشدة ووصل لأكثر من 4600 طن بين عامي 2002 و2012 وهو دليل على ضعف الطلب على هذا النوع من اللحوم داخل البلاد. كما أن عدد الحيتان التي يتم اصطيادها سنوياً قد تراجع بشدة، والهدف الحالي يصل إلى 300 حوت مقارنة مع أعوام سابقة كان يصل فيها إلى 1000 حوت منك.
ومن وجهة النظر اليابانية، فإن حظر صيد حيتان المنك غير المهددة بالانقراض هو أمرٌ متناقض منطقياً، فهناك أسماك أخرى مهددة بالانقراض مثل سمكة التونة ذات الزعنفة الزرقاء والتي تشكل ركناً أساسياً في المائدة اليابانية. لذلك ترى وجهة النظر اليابانية أن جدال “الحفاظ على الحيتان” غير صالح كونه يستند للعاطفة أكثر من المنطق، ولهذا السبب ترى الحكومة اليابانية أن مناهضة هذا الأمر في حالة اليابان على وجه الخصوص هو فرض قيود على التقاليد اليابانية بالرغم من أن اليابان تصطاد الحيتان في مياهها الإقليمية فقط في حالات كثيرة!
الخلاصة:
يقول البروفيسور الياباني في مجال الهندسة الزراعية “كازوهيكو كوباياشي” والمؤلف المساعد لكتاب “Japan’s Dietary Transition and Its Impacts” أن سلوك المجتمع والساسة في اليابان اختلف كثيراً عن الماضي، وأصبح أكثر وعياً وتردداً حيال هذه القضية، وأصبح لحم الحيتان غير رائج كالماضي برغم توافره في الأسواق لحدٍ ما. لذلك إن كان اصطياد الحيتان أمراً خاطئاً من وجهة نظرك، فالأمر لن يشكل فرقاً كبيراً كون الطلب على لحم الحيتان داخل اليابان في تناقص مستمر وأصبح ينحصر بالطلب لأسباب الحنين للماضي من قبل كبار السن الذين اعتادوا تناوله إبان الحرب وما بعدها أو فضول لتجربة لحم الحيتان فقط.
المصادر: هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية – وزارة الخارجية اليابانية – وزارة الزراعة، الغابات والثروة السمكية اليابانية
صورة المقال الأصلية: نقل حوت منك تم اصطياده إلى ميناء كوشيرو، هوكايدو بعد استئناف الصيد التجاري في الأول من يوليو/تموز 2019 | عبر صحيفة أساهي شيمبون اليابانية
سلوك المجتمع اليابانية أختلف كثيرا عن الماضى(البروفيسور اليابانية كازيو هيكو)
قرأت في احد التقارير في العام الماضي ان عدت دول تستمران بالصيد المستدام
معلومات رائعة
للابد من اتزان الطبيعة
الحفاظ على التقاليد و التراث شيء جميل ولكن الحفاظ على الحياة البرية والبحرية شي اجمل
الحق في الغذاء. تطور والاكلات الماضية بدات في الاندثار
صيد الحيتان لا تختص به اليابان وحدها هناك ايسلندا والترويج والدنمارك وصيد تجاري ….اليابان خرجت من دائرة الاتهام ولا يزال يشار إليها والمجرمين الحقيقيون في دول اخرى
أرى بأنه قرار صائب وخصوصا ان الاقدام على تناول لحم الحيتان ضعيف جدا من طرف اليابانيين باستثناء كبار السن والكهول.
5 بالمئة فقط يتناولون لحم الحيتان في اليابان وهي نسبة قليلة ولا تؤثر على عدد الحيتان التي يتم اصطيادها سنويا
الشعب الياباني يحبون الاكل البحري كثيرا و خطوة انهم يغيرون من عاداتهم الثقافية من اجل الحفاظ على الحيتان امر مشكورين عليه
صيد الحيوانات بشكل عام شيء يبدو للبعض انه مؤلم ومجعف لكن في النهاية لابد منه
ان الطلب على لحم الحيتان في اليابان تراجع كثيرا حتى ان اليابان تصطاد بمياهيها الاقليمية فقط مع ان بعض الدوال ما تزال تصطاد الحيتان مثل ايسلند والدنمارك والنرويج فلماذا لا تطالهم الانتقادات
اعتقد في الوقت الحاضر الاحتياج للحيتان يقل بالنسبه للأكل البشري ويتركز على الأبحاث العلمية
هل لحمه لذيذ
الاسماك والحيتان تباع في الاسواق اليابانية بمزادات تصل الى اسعار خيالية الشعب اليابان يعشق المأكولات البحرية عموما
في البداية عندما كانوا يعانون من ظروف اضطروا إلى تناول لحم الحيتان
لقد كان قرار صائب على الرغم من أنها عادات وتقاليد
لقد اتخذت اليابان قراراً صائبا من أجل حماية الحيتان
إنها فكرة جيدة جدا أتمنى أن تقتدي بها باقي الدول التي تصطاد الحيتان
مقال جميل
اعتقد انه مع مرور الوقت سيتوقفون عن تناول لحم الحيتان نهائيا ولن يعود هناك مشكلة في هذا الأمر
مقالة رائعة لكننى ضد اصطياد الحيتان ويجب حث الدول الاخرى علي وقف اصطياده