أقنعة الوجوه في اليابان

دائماً ما يلاحظ زوار اليابان، تفشي ظاهرة ارتداء اليابانيين للأقنعة الجراحية. ودائماً ما يتساءل المرء إن كان السبب وراء ذلك حساسية مفرطة لليابانيين تجاه المحسسات، أو العوامل الممرضة، ولكن في الواقع، السبب الحقيقي لهذه الأقنعة يكمن وراء جذورها في التاريخ والحياة اليابانية المعاصرة والتي أعطتْ بعض الذرائع لخروج هذه الأقنعة إلى المجتمع بكثرة.

اعتادت هذه الأقنعة تغطية ثغور المواطنين المرضى فقط لتلافي خطر العدوى، حيث كانت الأقنعة تقليدية الصنع قابلة لإعادة الاستخدام. ولكن مؤخراً في 2003 سُجل أول قفزة في سوق الأقنعة عندما بدأت شركة “Unicharm” اليابانية بإنتاج أقنعة طبية رخيصة من نوع خاص غير مخيط، مُعد للاستخدام مرة واحدة “tsukaisute-使い捨て”، والذي أثبت كفاءةً عاليةً في فلترة حبات الطلع لمرضى حمى القش، وهذا النوع من الأقنعة يشكل 86% من سوق الأقنعة حالياً، وذلك حينما تم استخدامها من قبل المرضى وحتى للوقاية.

وصولاً إلى العقد الأخير حيث ارتفعت مبيعات الأقنعة إلى 3 أضعاف المعتاد نتيجة المخاوف من موجة الإنفلونزا في 2009، والخوف من الجزيئات المتطايرة نتيجة الزلزال الهائل الذي ضرب البلاد في 2011 وما ترتب عليه من تلوث نووي. وقد سجلت مجمل المبيعات في 2013 حوالي 23.9 مليار ينٍ ياباني.  وكناتجِ عن كثرة الاستطبابات لاستخدام هذه الأقنعة مؤخراً، غدا وجودها أمراً طبيعياً ومستساغاً للعين اليابانية، إلى أن أصبح يستخدم لاستخداماتٍ أخرى إلى جانب الصحة العامة قد تكون بعيدةً عنها.

فبسبب البرد القارس الذي يتميز به الشتاء في اليابان، ظهر توجه جديد لاستخدام الأقنعة الطبية لتدفئة الأنف والفم -بدلاً عن استخدام الأوشحة التقليدية-، وقد لاقت رواجاً كبيراً نظراً لسهولة استخدامها، اعتياد الناس على وجودها، ولكثرة التصاميم الظريفة التي بدأ التجار بتوفيرها استجابةً لطلب السوق، وتلبيةً لأرباحٍ مالية متزايدة. إضافةً إلى ذلك، يُشكل استخدام هذه الأقنعة درعاً واقياً لمن يريد الابتعاد عن أي اتصال اجتماعي، وقد ساهمت هذه الأقنعة بحجب هذا الدور ملغيةً عملية التفاعل هذه، مما يصب في إرضاء بعض الناس ممن لا يشعرون بالرغبة في الاحتكاك مع المحيط، بحسب المختصة النفسية اليابانية “جون فوجيكاكيه”. فضلاً عن ذلك فقد تم إيجاد خصائص تجميلية لهذه الأقنعة! حيثُ تميلُ بعض الفتيات ممن اعتدن على استخدام مساحيق التجميل إلى وضع هذه الأقنعة عندما لا تملكن الوقت أو المزاج المناسب لقيامهنَّ بتجهيز أنفسهنّ لوضع المكياج ومساحيق التجميل،، حيثُ يحجب هذا القناع وجوههنَّ غير المتبرجة غير المعتادين عليها.

وبفضل ركوب التجار الموجة لخدمة عُملاء السوق، وُفِّرت حالياً العديد من التصاميم الظريفة والمميزة من هذه الأقنعة للزبائن من الفتيات، في حين توفرت بعض التصاميم المناسبة للشباب أيضاً، فغدت هذه الأقنعة جزءًا من الإكسسوارات. ومازال السوق خاضعاً لمنافسة بين التجار وميزات أقنعتهم، فشركة “T-Garden” تدخل السوق بأقنعتها المزركشة بالألوان الوردية الجميلة والمعطرة برائحة توت العليق والتي بحسب زعم الشركة “تزيد النشاط الاستقلابي”. وتتعدد الاستطبابات، الذرائع، والاستخدامات لهذه الأقنعة التي في النهاية ترمي إلى إرضاء المستهلك، وبسبب ذلك أصبحت هذه الأقنعة ظاهرة اجتماعية تمنع تمييز الأفراد من مرضى، متسكعين، أم مجرد متمتعين باستخدام الأقنعة، بينما تميزهم كمجتمعٍ بأقنعتهم هذه وتصاميمها واستخداماتها المختلفة عن غيرهم من المجتمعات ممن قد يستهلكون هذه الأقنعة أيضاً لأسبابهم الشخصية.

انضم الآن مجاناً لتصبح عضواً متميزاً في مجلة اليابان للحصول على آخر المستجدات والأخبار من الموقع مع العديد من العروض والمفاجآت! (اضغط هنا)