واسابي: نكهة تعانق التقاليد اليابانية

واسابي: نكهة تعانق التقاليد اليابانية
واسابي: نكهة تعانق التقاليد اليابانية

زرع الواسابي لأول مرة في اليابان في فترة ما قبل الميلاد، وأصبح منذ ذلك الحين جزءًا لا يتجزأ من الثقافة والمطبخ الياباني. واليوم، يستمتع به محبو الواسابي في جميع أنحاء العالم، ولا يزال مذاقه ورائحته المميزة يأسران عشاق الطعام في كل مكان. يعرف الواسابي عالميًا كتوابل للسوشي. ولكنه ينمو فقط في ظروف خاصة جدًا، وهو ما يصعب فرصة الحصول عليه، فما هو الواسابي؟ وما تاريخه وما سر ارتباطه بالمطبخ الياباني؟

نبذة عامة

الواسابي، المعروف علميًا باسم واسابيا جابونيكا ، ينتمي إلى فصيلة الكرنبيات، ويشترك فيها مع الخردل والفجل والملفوف. استخدم في البداية لخصائصه الطبية، وسرعان ما وجد الواسابـي مكانته في عالم الطهي، خاصةً كرفيقٍ للسوشي والساشيمي. وقد أصبح نكهته الحارة والسريعة الزوال مرادفًا للمطبخ الياباني. حيث ارتقى بالأطباق البسيطة إلى تجارب شهية. تعدّ زراعة الواسـابي شهادة على براعة الإنسان ومثابرته، إذ تتطلب ظروفًا بيئية خاصة بالمناطق الجبلية في اليابان. يُبرز هذا التوازن الدقيق بين الزراعة والطبيعة المبادئ الأوسع للمطبخ الياباني، الذي يُقدّر النكهات الطبيعية والموسمية.

نبتة الواسابي
نبتة الواسابـي

الواسابي، نبتة طبية علاجية

استمر استخدام هذا النبات في الطب التقليدي حتى بعد سنوات طويلة. ويذكر في أقدم سجل ياباني للطب النباتي التقليدي، الواسابـي. وتأثيره الفعال الذي يساعد في علاج اضطرابات الجهاز التنفسي، وهو مادة حافظة طبيعية للمراهم. ونتيجة لذلك، أصبح الواسـابي مكونًا أساسيًا في العديد من المستحضرات الطبية. تبرز خصائصه المضادة للميكروبات والالتهابات الحكمةَ التاريخية في دمج الواسـابي في الوجبات، بما يتجاوز قدرته على تعزيز النكهة. وقد اكتشفت الأبحاث أيضًا التأثيرات المحتملة للإيزوثيوسيانات (وهي مادة كيميائية طبية في الواسـابي) وهي مضادة للسرطان، وبحثت في قدرتها على تثبيط نمو أنواع محددة من الخلايا السرطانية، كما  يعتقد أن الواسـابي يتمتع بخصائص مزيلة للسموم ، خاصةً فيما يتعلق بالكبد. وقد تُساعد في تحسين صحة الجسم بشكل عام. وتشير الدلائل إلى أن تناول الواسـابي يُسهم في صحة القلب والأوعية الدموية، مما قد يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب من خلال تحسين عوامل الخطر المُختلفة مثل الالتهاب والأكسدة.

أنواع الواسابي

الواسابـي ليس مجرد توابل، بل هو أيضًا طعام شهي. ولذلك، يختلف شكله وطعمه باختلاف مصدره وشكله وتوافره. ومن أنواعه :

-هون واسابي

” هون ” تعني “أصلي” أو “طبيعي” باللغة اليابانية، وهي تشير إلى جذر الواسابي 100%. يتميز بنكهة طبيعية ومنعشة لا تُوجد في أنواع أخرى من الواسابي. وهو من أجود الأنواع، وبالتالي أغلاها. وهو متوفر في مطاعم السوشي الفاخرة.

-ناما واسابي 

هذا هو الواسابـي الياباني المبشور حديثًا. “وهو  خالٍ من أي إضافات. يُفضل استخدام هذا البهار في أسرع وقت ممكن، وإلا فلن يكون طازجًا.

-ياما واسابي

بسبب برودة هوكايدو، يتحول لون جذر الواسـابي إلى الأبيض بدلاً من الأخضر المعتاد. يتميز هذا الواسـابي بنكهة حارة.

-سابي واسابي

سابي واسابي يجمع بين الواسابـي والفجل الحار وملون الطعام الأخضر. وهو منتج أرخص ثمنًا، ويشبه طعم الواسابي. ولأنه يُنتج بكميات كبيرة باستخدام العديد من المنتجات، فهو أكثر أنواع الواسابي شيوعًا. 

-الواسابي الغربي

يصنع عادةً من الفجل الحار والخردل وملون الطعام، وقد لا يحتوي على واسابـي. يصعب العثور على واسـابـي أصلي خارج آسيا، لذا تباع هذه الصلصة كبديل في الأسواق الغربية. كما أنها تناسب هذه الأسواق بشكل أفضل، لأن الزبائن الأجانب قد لا يحبّون طعم الواسابـي الأصلي. ومن المرجح أن يزداد انتشار معجون الواسـابي هذا في المستقبل بسبب الصعوبات التي تواجه زراعة الواسـابي

صوص الواسابــــي
صوص الواسابــــي

الواسابي في التاريخ الياباني

كشفت حفريات البقايا الأثرية أن اليابانيين تناولوا الواسـابي منذ حوالي 14,000 قبل الميلاد إلى 400 قبل الميلاد، ربما استخدموه للوقاية من الاضطرابات المعوية، إذ إن مزجه مع الطعام يطيل مدة صلاحيته.

كان الشوغون يقدِّر الواسـابي تقديرًا كبيرًا لارتباطه بنبات الأزاروم كوليسنس. ويستخدم حرفا الكانجي “جبل” و”أزاروم” معًا للدلالة على الواسـابـي، ربما لأن أوراق الواسـابي تُشبه أوراق الأزاروم، التي تظهر في شعار عائلة توكوغاوا.

اكتسب الواسابـي شهرة مع تطور السوشي. أصبح جذر الواسـابـي مفضلًا كنكهة تُعادل رائحة السمك النيء بأبخرته الساخنة التي تلسع الأنف وتعزز الشهية وتمنع التسمم الغذائي. كما نما ليصبح توابلًا لا غنى عنها للنودلز. انتشرت زراعة الواسـابـي في جميع أنحاء شيزوؤكا، وأصبح الواسـابي يتداول بنشاط في الأسواق.

زراعة الواسابي

لكل مزرعة واسـابي طريقة زراعة خاصة بها متوارثة في العائلة، لذا تزرع كل عائلة الواسـابي بطريقة مختلفة تمامًا. حقول الواسـابي تبرز مهارة مزارعي الواسابـي المتطورة. منذ أجيال، كان أسلافهم يقطعون الغابات الكثيفة، ويحفرون في تربة الجبال الصخرية، ويدقون الأوتاد في الصخور لكسرها، ويحملون الحجارة من الضفاف، وهكذا شيدوا حقولًا رائعة مبطنة بالحجارة على مناطق شديدة الانحدار.

تنتج نباتات الواسابـي أزهارًا بيضاء صغيرة بين شهري مارس وأبريل. تحصد الكروم الطويلة للحصول على بذورها، ثم تُزرع الشتلات في دفيئات زراعية لمدة  ثلاثة أشهر. ثم تعاد زراعة الشتلات في حقول الواسـابي، حيث تُزرع لمدة 18 شهرًا أخرى. تستغرق جذور الواسابـي وقتًا طويلاً لتنمو، لكنها تتميز بنكهة ورائحة فائقة.

بعد الحصاد، تُزال السيقان والأوراق وتقلم. ومع ذلك، لا تُرمى الأوراق والجذور الليفية. تُصبح الأوراق لذيذة مسلوقة ومتبلة أو تطهى على طريقة تمبورا، وتُشحن الجذور الليفية لاستخدامها في منتجات مُصنّعة مثل معجون الواسـابي.

زراعة الواسابـــي
زراعة الواسابـــي

مياه جيدة لواسابي جيد

هناك عدة عوامل تؤثر على نكهة الواسـابي، منها جودة الماء، ودرجة حرارته، ووجود الحجارة، والتعرض لأشعة الشمس، ووجود المواد العضوية. 

ينمو الواسـابي بشكل أفضل في الوديان الجبلية الضيقة، ولهذا فزراعته صعبة، حيث تحتاج جذوره إلى تدفق مستمر من الماء البارد لتزدهر، وهو ما توفره الجداول الجبلية. يجب ألا يكون الماء شديد الحموضة أو القلوية، كما يمكن أن يكون ضحلًا، ويعد استخدام المبيدات الحشرية محظور لأنه يفسد مصدر الماء الطبيعي ويتلفه. يقاوم الواسـابي البرد، لكنه يتضرر بسهولة من الحرارة، ولهذا فنبات الواسـابي يواجه صعوبة في إيجاد طرق للتكيف مع ظاهرة الاحتباس الحراري.

 كما يجب أن يكون الهواء رطبًا نسبيًا. وبسبب هذه المتطلبات الفريدة، لا ينمو النبات جيدًا خارج المناطق الجبلية. وبسبب انحدار التضاريس الذي يصعّب استخدام الآلات، يضطر المزارعون إلى قطع مسافات طويلة في الجبال لرعاية النباتات. وبعد جمعها، يضطر العمال إلى سحب الواسابـي إلى أسفل الجبل، حيث تعتمد زراعة الواسابـي على الأساليب التقليدية نظرًا لهذه البيئات القاسية.

انتشار البدائل الرخيصة

تتناقص مزارع زراعة الواسابي تدريجيًا بالوقت الحاضر. والسبب الرئيسي هو أن معظم معاجين ومساحيق الواسابي، الشائعة الاستخدام محليًا ودوليًا، تستخدم الفجل الحار أو الواسابي المستورد. يبلغ الإنتاج السنوي من الواسابي المصنّع حوالي 1000 طن، أي ضعف أو ثلاثة أضعاف إنتاج الواسابي الطازج. ومؤخرا، تحولت العديد من المطاعم التي كانت تستخدم جذور الواسابي الطازجة باهظة الثمن إلى الواسابي المُصنّع الرخيص، وبالتالي فإن الطلب على الواسابي الطازج لا ينمو.

هناك مشكلة أخرى تتعلق بحجم المزرعة. فنظرًا لضرورة مياه الينابيع لزراعة الواسـابي، تتركز مزارع الواسابـي في المناطق الجبلية، حيث تعتبر هذه المزارع حتمًا “مزارع صغيرة الحجم” وفقًا للمعايير الوطنية. ولهذا فإن مزارع الواسـابي في جميع أنحاء اليابان صغيرة جدًا بحيث لا تتلقى أي دعم. وحتى الآن، يتزايد هجران المزيد من حقول الواسـابي في الجبال وتركها للدمار.

الواسابي، رفيق السوشي على المائدة

لا يقتصر استخدام الواسـابي في السوشي على نكهته الحارة فحسب، بل تساعد خصائصه المضادة للميكروبات على قتل البكتيريا الضارة وتقليل خطر التسمم الغذائي، وهو أمر بالغ الأهمية عند تناول الأسماك النيئة.

يكمّل الواسـابي السوشي بتعزيزه لسلامته، ويحسّن نكهته العامة . كما تناقض حدة الواسـابي طعم السمك النيء، معززةً نكهته دون أن تطغى عليها. علاوةً على ذلك، يزيل الواسـابي روائح السمك، مضفيًا تجربة طعام أكثر متعة. غالبًا ما يضع الطهاة كميةً صغيرةً من الواسابـي بين السمك والأرز في سوشي النيغيري لضمان توازن مثالي في النكهة مع كل قضمة. 

طبق سوشي مع الواسـابي
طبق سوشي مع الواسـابي

إعداد و تقديم جنة الجندي لمزيد من المحتوى المقدم من الكاتبة، بالإمكان متابعة صفحتها الخاصة عبر فيسبوك.

انضم الآن مجاناً لتصبح عضواً متميزاً في مجلة اليابان للحصول على آخر المستجدات والأخبار من الموقع مع العديد من العروض والمفاجآت! (اضغط هنا)

صورة المقال الرئيسية:
Photo by Cath Smith on Unsplash

0 0 votes
Article Rating

اكتب تعليقًا

0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x