تطرح كثيراً تساؤلات حول طبيعة العلاقات بين اليابان والولايات المتحدة رغم الماضي المأساوي الذي عاشته بسببها. فكيف بدأت العلاقات بينهما وما هي نقطة التحول؟ وما هي محاور السياسات اليابانية؟ وكيف تساير سياسات أميركا؟ وما تأثير علاقتهما على الساحات العلمية والاقتصادية والسياسية على مستوى العالم؟
نبذة عامة
تعد اليابان واحدة من أنجح الديمقراطيات وأكبر الاقتصادات في العالم. ويشكل التحالف بين الولايات المتحدة واليابان حجر الزاوية للمصالح الأمنية الأميركية في آسيا وهو أمر أساسي للاستقرار والازدهار الإقليميين. ويستند التحالف إلى المصالح والقيم الحيوية المشتركة، بما في ذلك الحفاظ على الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادي. مع الحفاظ على الحريات السياسية والاقتصادية وتعزيزها؛ ودعم حقوق الإنسان والمؤسسات الديمقراطية؛ وتوسيع الرخاء لشعبي البلدين والمجتمع الدولي ككل.
العلاقات في عهد ما قبل الحرب
في العقدين الأولين من القرن العشرين، اتسمت العلاقة بين الولايات المتحدة واليابان بتوتر متزايد ومحاولات دبلوماسية للحد من خطر الصراع. كان لكل من الجانبين أراضٍ ومصالح في آسيا. وكانا يخشيان أن يهددها الطرف الآخر. كما أدى سوء تعامل الولايات المتحدة مع المهاجرين اليابانيين، والتنافس على الفرص الاقتصادية والتجارية في الصين، إلى تفاقم التوترات.
سعت كل حكومة إلى حماية مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، حيث أبرم الطرفان اتفاقية تافت-كاتسورا السرية، التي اعترفت فيها الولايات المتحدة بالحكم الياباني لكوريا وتسامحت مع التحالف الأنجلو ياباني لعام 1902، واعترفت اليابان بسيطرة الولايات المتحدة على الفلبين.
اشتبكت اليابان والولايات المتحدة مرة أخرى أثناء مفاوضات عصبة الأمم في عام 1919. رفضت الولايات المتحدة قبول الطلب الياباني ببند المساواة العرقية أو الاعتراف بالمساواة بين الأمم. وبحلول العقد الثالث للقرن العشرين، كانت اليابان والولايات المتحدة على خلاف مرة أخرى.
العلاقات أثناء الحرب ومأساة ناغاساكي وهيروشيما
خلال الحرب العالمية الثانية ، خاضت الولايات المتحدة واليابان حربًا كألد الأعداء. ولكن خلال الحرب الباردة وما بعدها، أصبحت اليابان أقرب حليف لأميركا وأكثرها موثوقية في منطقة آسيا والمحيط الهادي، لدرجة أنه من الصعب للكثير تخيل مدى هذا التحول الكبير!
حيث تسببت الإجراءات اليابانية ضد الصين في عام 1931 وخاصة بعد عام 1937 خلال الحرب الصينية اليابانية الثانية في قطع الولايات المتحدة عن اليابان النفط والصلب اللازم لغزوها العسكري.
وفي عام 1941، صدم القصف الياباني المفاجئ لميناء بيرل هاربر أميركا، مما دفعها رسميا إلى الدخول في الصراع. وبعد ما يقرب من أربع سنوات، ألقت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين مدمرتين على مدينتي هيروشيما وناغاساكي اليابانيتين، مما أدى إلى إنهاء الحرب. وبعد ذلك، أخضعت اليابان لاحتلال دام 7 سنوات بعد الحرب، مما أدى إلى تفكيك الجيش في الدولة المهزومة وتغيير بنيتها السياسية بشكل جذري.
عهد ما بعد الحرب
لم يكن هدف أميركا مجرد إرساء السلام وإعادة بناء اليابان. فقد استغلوا الحالة الاقتصادية اليائسة للسكان اليابانيين وخيبة أملهم في حكومتهم وجيشهم لزرع بذور الديمقراطية وإعادة كتابة الدستور، وبدلاً من إذلال الدولة المهزومة والمطالبة بتعويضات ضخمة مثل تلك التي أضعفت اقتصاد ألمانيا، مهدت أميركا الطريق لعلاقة أكثر إيجابية بمعاملتها لليابان المهزومة. وفي خضم مخاوف من حدوث مجاعة هائلة في البلد المدمر، نقل الأميركيون الطعام جواً لتجنب الأزمة الإنسانية والاضطرابات المحتملة اللاحقة.
وبدلاً من محاكمة الإمبراطور هيروهيتو بتهمة ارتكاب جرائم حرب، سمحت الولايات المتحدة له استراتيجياً بالبقاء على عرشه كزعيم رمزي. مما أدى إلى ترسيخ رواية مفادها أنه تعرض للخيانة أثناء الحرب من قبل قوى أكثر عسكرية. أدى للانتقال من دولة إمبراطورية متطرفة إلى دولة ديمقراطية. وقد تم الاستسلام رسمياً عام 1945.
كتابة دستور ياباني جديد
شملت أحكام الدستور الياباني الجديد 103 مادة، شاملة إصلاح الأراضي، ومنح المرأة حق التصويت، وتأسيس حرية التعبير والتجمع والدين، وتأسيس أنظمة تعليمية على غرار تلك التي في الولايات المتحدة. وكان من بين أهم المواد في الدستور الجديد المادة التاسعة التي نبذت فيها اليابان العدوان العسكري. فقد نصت على أن ” الشعب الياباني، الذي يتطلع بصدق إلى السلام الدولي القائم على العدل والنظام، يتخلى إلى الأبد عن الحرب كحق سيادي للأمة، وعن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها كوسيلة لتسوية النزاعات الدولية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف… لن يتم الاحتفاظ بالقوات البرية والبحرية والجوية، فضلاً عن إمكانات الحرب الأخرى. ولن يتم الاعتراف بحق الدولة في الحرب”. أصبحت هذه المادة لاحقاً موضوعاً للنقاش في اليابان ودول أخرى في الخارج.
ملخص تاريخي
أقامت الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية مع اليابان في عام 1858. وخلال الحرب العالمية الثانية، انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة واليابان في سياق الحرب التي أعقبت هجوم اليابان على بيرل هاربور عام 1941. وبعد سنوات من القتال، وقعت اليابان وثيقة استسلام في عام 1945. وأعيدت العلاقات الدبلوماسية الطبيعية في عام 1952، ثم تم توقيع معاهدة التعاون والأمن المتبادل بين اليابان والولايات المتحدة في عام 1960.
بداية التحالف
في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، دخلت اليابان في تحالف عسكري مع الولايات المتحدة ، وشهدت نموًا اقتصاديًا غير مسبوق من خلال الاحتماء تحت المظلة النووية الأمريكية، والاستفادة الكاملة من مخططات التجارة الحرة التي تدعمها الولايات المتحدة، وتزويد الحروب الأمريكية في كوريا وفيتنام.
توسعت الصادرات اليابانية إلى الولايات المتحدة بشكل كبير في فترة ما بعد الحرب، حيث كانت السيارات اليابانية والإلكترونيات الاستهلاكية تحظى بشعبية خاصة، وأصبحت اليابان ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة حتى عام 2010. ومنذ أواخر القرن العشرين وما بعده، كانت للولايات المتحدة واليابان علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية قوية ونشطة وتعتبرها أمريكا من أقرب حلفائها.
تطور العلاقات على مدار السنين
تأسست منظمة المؤتمر الأمريكي الياباني للتبادل الثقافي والتعليمي (CULCON) عام 1961، وهي لجنة ثنائية تضم خبراء أكاديميين وثقافيين وحكوميين لتقديم توصيات سياسية حول كيفية الاستمرار في تحسين العلاقات بين الشعبين بين الولايات المتحدة واليابان. ومنذ إنشائها، شكلت المنظمة عددًا من فرق العمل للتعامل مع قضايا السياسة المتعلقة بالتبادل بين الشعبين. وركزت مؤخرًا على زيادة العدد المتناقص للطلاب اليابانيين الذين يدرسون في الولايات المتحدة. وكيف يمكن للبلدين تعزيز الجيل القادم من القادة في العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان بشكل أفضل.
نقطة التحول في القرن الواحد والعشرين
نتيجة التأثير الاقتصادي والدبلوماسي المشترك للبلدين على العالم، أصبحت العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان عالمية النطاق. وتتعاون الدولتان في مجموعة واسعة من القضايا العالمية، بما في ذلك مساعدات التنمية، والصحة العالمية، وحماية البيئة والموارد، وتمكين المرأة. كما تعمل الدولتان معًا لتعزيز النزاهة في سلاسل توريد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وضمان انتقال آمن إلى شبكات الجيل الخامس، كما يشمل التعاون على نطاق واسع في العلوم والتكنولوجيا في مجالات مثل علم الدماغ، والشيخوخة، والأمراض المعدية، والطب الشخصي، واستكشاف الفضاء الدولي. ونحن نعمل بشكل مكثف لتوسيع العلاقات القوية بالفعل بين الناس في التعليم والعلوم وغيرها من المجالات.
ويصادف عام 2020 الذكرى الستين لتوقيع معاهدة الأمن بين الولايات المتحدة واليابان. والتي تنص على أشكال جديدة وموسعة من التعاون الموجه نحو الأمن. وتوفر اليابان قواعد بالإضافة إلى الدعم المالي والمادي للقوات الأمريكية المنتشرة في المقدمة، وهو أمر ضروري للحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
وفي يناير 2016، وقعت الولايات المتحدة واليابان حزمة جديدة مدتها خمس سنوات لدعم الدولة المضيفة للقوات الأمريكية في اليابان. وفي ديسمبر 2016، أعادت الولايات المتحدة جزءًا كبيرًا من منطقة التدريب الشمالية، أي ما يقرب من 10000 فدان، مما قلل من كمية الأراضي التي تستخدمها الولايات المتحدة في أوكيناوا بنحو 20%.
التأثير العالمي
تتعاون اليابان والولايات المتحدة بشكل وثيق في المبادرات الدبلوماسية الدولية. ويتشاوران مع كوريا الحنوبية بشأن السياسة المتعلقة بكوريا الشمالية. وتنسق الولايات المتحدة مع اليابان وأستراليا تحت رعاية الحوار الاستراتيجي الثلاثي ومنتدى التعاون الأمني والدفاعي. وينسقان ايضا مع الهند على المستوى الثلاثي.
كما تساهم العلاقات في تعزيز الأهداف البيئية، والحفاظ على التضامن في مواجهة العدوان الروسي في المنطقة وخارجها، ومساعدة البلدان النامية، ومكافحة القرصنة، والدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، كما تدعم اليابان الولايات المتحدة على نطاق واسع في قضايا منع الانتشار والقضايا النووية.
العلاقات الاقتصادية الثنائية
تتميز العلاقات الاقتصادية بينهما بتدفقات تجارية واستثمارية كبيرة. تهدف الولايات المتحدة إلى توسيع فرص الوصول إلى أسواق اليابان، وزيادة الاستثمار المتبادل، وتحفيز النمو الاقتصادي الذي يقوده الطلب المحلي، ورفع مستوى المعيشة في كلا البلدين.
كما تمثل اليابان سوقًا رئيسية للعديد من السلع والخدمات الأميركية، بما في ذلك المنتجات الزراعية والكيميائية والأدوية، والأفلام والموسيقى، والطائرات ، والمعادن غير الحديدية والبلاستيك، والإمدادات الطبية والعلمية والآلات. وتشمل الواردات الأميركية من اليابان المركبات والآلات والأجهزة البصرية والطبية والمواد الكيميائية العضوية.
استثمرت اليابان أكثر من 480 مليار دولار أميركي في الاقتصاد الأميركي، وتدعم الشركات المملوكة لليابان 860 ألف وظيفة في الولايات المتحدة.
التجارة الدولية والجمارك
في عام 2019، وقعت الولايات المتحدة واليابان اتفاقية التجارة اتفاقية التجارة الرقمية بينهما. حيث تعمل على إلغاء أو تخفيض التعريفات الجمركية على ما يقرب من 7.2 مليار دولار من الصادرات الزراعية الأمريكية، وتتضمن اتفاقية التجارة الرقمية أحكامًا عالية المستوى تضمن إمكانية نقل البيانات عبر الحدود دون قيود، وضمان حماية خصوصية المستهلك، وتعزيز الالتزام بالمبادئ المشتركة لمعالجة تحديات الأمن السيبراني، ودعم الاستخدام الفعال لتقنيات التشفير، وتعزيز التجارة الرقمية. ولكن يظل العجز التجاري بين الولايات المتحدة واليابان في السلع ثالث أكبر عجز في العالم. ويشكل السيارات وأجزاء السيارات ما يقرب من 75% من العجز.
التعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا
تغطي الشراكة بين الولايات المتحدة واليابان في مجالات العلوم والتكنولوجيا مجموعة واسعة من القضايا المعقدة التي تواجه المجتمع العالمي. وتحت رعاية اتفاقية العلوم والتكنولوجيا بينهما، تعاونت كلتاهما لأكثر من 25 عاما في مجال البحوث العلمية في مجالات مثل تكنولوجيات الطاقة الجديدة والحوسبة الفائقة والمواد الحرجة. وفي تقدير لهذه الإنجازات، أعلنت الولايات المتحدة واليابان في عام 2014 عن تمديد اتفاقية العلوم والتكنولوجيا الثنائية لمدة 10 سنوات إضافية، حيث تعاونا بشكل متعمق في مجال الفضاء. وفي يناير 2016، احتفلت الدولتان بالذكرى الخمسين لبرنامج العلوم الطبية التعاوني بينهما، والذي نما بمرور الوقت ليشمل الاهتمام بالتهديدات الصحية التي تؤثر على دول أخرى مطلة على المحيط الهادي.
العلاقات على المستوى الشعبي
تعود قوة العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان إلى حسن النية الذي خلقته العلاقات الشعبية الوثيقة بين الشعبين الأميركي والياباني، والتي تدعمها في كثير من الأحيان الحكومتين الأميركية واليابانية. هناك أكثر من ثلاثين ألف خريج أميركي من برنامج التبادل والتدريس الياباني الذي ترعاه الحكومة اليابانية.
وهناك أيضاً 37 فرعاً يابانياً أميركياً مقرها الولايات المتحدة، والعديد منها مدعوم بالعلاقات التجارية الوثيقة بينهما؛ ويعمل أكثر من 800 ألف أميركي في شركات يابانية في الولايات المتحدة. كما تشترك الولايات المتحدة واليابان في علاقات توأمة مع بعضهما البعض أكثر من أي دولة أخرى. وتستخدم العديد من المنظمات غير الحكومية الأخرى، مثل المجلس الأمريكي الياباني، ومؤسسة مانسفيلد، ومؤسسة ساساكاوا للسلام، والشراكات بين القطاعين العام والخاص بالإضافة إلى المنح التي تقدمها الحكومة الأمريكية لدعم التبادل بين الناس.
عضوية اليابان في المنظمات الدولية
تنتمي اليابان والولايات المتحدة إلى عدد من المنظمات الدولية نفسها، بما في ذلك الأمم المتحدة، ومجموعة الدول السبع، ومجموعة العشرين، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كما تعد اليابان شريكًا للتعاون مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومراقبًا لدى منظمة الدول الأمريكية. في عام 2019، تولت اليابان رئاسة مجموعة العشرين واستضافت العديد من الاجتماعات الوزارية بالإضافة إلى قمة زعماء مجموعة العشرين في اليابان.
إعداد و تقديم جنة الجندي لمزيد من المحتوى المقدم من الكاتبة، بالإمكان متابعة صفحتها الخاصة عبر فيسبوك.