لم توقع روسيا واليابان حتى الآن معاهدة سلام رسمية لإنهاء الحرب العالمية الثانية. ويرجع تردد الدولتين إلى نزاعهما على سلسلة من الجزر تدعى جزر الكوريل. وهي سلسلة من الجزر البركانية تمتد من جزيرة هوكايدو في اليابان إلى شبه جزيرة كامتشاتكا في روسيا. فما هي قصة هذه الجزر؟ وماهي محاولات حل النزاع بين كلا من روسيا واليابان؟
نظرة جغرافية
تمتد سلسلة الجزر المعروفة باسم جزر الكوريل شمالاً عبر المحيط الهادي من جزيرة هوكايدو اليابانية إلى الطرف الجنوبي لشبه جزيرة كامتشاتكا الروسية. وهي منطقة زلزالية بركانية نشطة. وتشكل الجزر الأربع – التي تطلق عليها روسيا اسم جزر الكوريل الجنوبية وتطلق عليها اليابان اسم الأراضي الشمالية – موضوع نزاع مستمر منذ 60 عاما بين البلدين.
وهذه الجزر هي كوناشير (المعروفة في اليابان باسم كوناشيري)، وإيتوروب (إيتوروفو)، وشيكوتان، وجزر هابوماي الصخرية، والتي تقع بالقرب من جزيرة هوكايدو اليابانية. وبسبب هذا النزاع، لم توقع روسيا واليابان حتى الآن معاهدة سلام لإنهاء الحرب العالمية الثانية. وقد هاجر اليابانيون شمالاً إلى الجزر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ومنهم شعب الآينو، وهم أقليات. ولم تحظ هذه العسكرة السريعة لجزر الكوريل بالكثير من الاهتمام الإعلامي بسبب غزو روسيا لأوكرانيا.

الموارد الطبيعية
جزر الكوريل لها موقع استراتيجي مميز وثروات هائلة. حيث ينشط في الجزر أكثر من 100 بركان. وأكثر من 60 بركان تحت سطح الماء، كما تتواجد بها بحيرات معدنية ساخنة وصخور ساحلية مميزة الشكل بها حصى نادر مختلف الألوان، وهو ما يعتبر ثروة معدنية هائلة.
وتحيط بالجزر مناطق صيد غنية ويعتقد أنها تحتوي على احتياطات بحرية من النفط والغاز. وقد عُثر على رواسب نادرة من الرينيوم بأحد البراكين. كما يتوافر بها معادن كالزئبق والكبريت والحديد والذهب والفضة والتيتانيوم.
وتشكل السياحة أيضًا مصدرًا محتملًا للدخل. حيث تحتوي الجزر على العديد من البراكين ومجموعة متنوعة من الطيور. بل إنها تفتخر أيضاً بوفرة من الينابيع الساخنة والمعادن النادرة الضرورية لإنتاج الطائرات الأسرع من الصوت، بجانب وجود تنوع نباتي والكثير من الغابات وثروة من النفط والغاز.
التاريخ قبل الاحتلال
في عام 1643، اكتشف الهولنديون جزر كوريل والتي كان يسكنها يابانيون أصليون، يدعون شعب الآينو. وقد تراجع وجودهم في اليابان ويتركزون بشكل أساسي حاليا في هوكايدو.
وفي القرن 18، امتد نفوذ الإمبراطورية الروسية إلى هذه الجزر، ومن هنا بدأ النزاع بين اليابانيين الأوائل والروس، خاصة بعد انتشار اللغة الروسية في هذه الجزر.
محاولات لحل النزاع
في عام 1855، وقعت روسيا واليابان معاهدة شيمودا، التي منحت اليابان ملكية الجزر الأربع الجنوبية وروسيا ملكية كل شيء إلى الشمال. وتطورت مجتمعات محلية على الجزر الثلاث، وبحلول بداية الحرب العالمية الثانية، كان عدد السكان اليابانيين 17 ألف نسمة، وفي نهاية الحرب، سيطرت روسيا على الجزر، وبحلول عام 1949 قامت بترحيل جميع السكان إلى أماكن أخرى من اليابان.
وبموجب معاهدة سان فرانسيسكو للسلام عام 1951، الموقعة بين الحلفاء واليابان، تنازلت اليابان عن “كل الحقوق والملكية والمطالبة بجزر الكوريل”، فضلاً عن ممتلكات أخرى.
لكن هذا لم يحل شيئا، لأن روسيا لم توقع على المعاهدة، والحكومة اليابانية لم تعترف أبدا بالجزر الأربع كجزء من سلسلة جزر الكوريل.
مد وجزر على سواحل الكوريل من جهة.. وفي أروقة السياسة من جهة أخرى
في عام 1956، أعاد الإعلان الياباني السوفييتي المشترك العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لكن اتفاق السلام الرسمي ظل بعيد المنال بسبب النزاع الإقليمي. وهنا اقترحت روسيا إعادة الجزيرتين الأقرب إلى اليابان، وهو الاتفاق الذي رفضته اليابان، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الجزيرتين تمثلان 7% فقط من الأراضي المعنية، ومنذ ذلك الحين، ظل النزاع دون حل. وتبدو فرص التوصل إلى حل مبكر للنزاع ضئيلة.
وأشار فلاديمير بوتن في عام 2004 إلى أن عرض إعادة الجزيرتين الواقعتين في أقصى الجنوب لا يزال مطروحاً على الطاولة. لكنه لم يُظهر أي مؤشرات على التنازل عن الجزيرتين الأكبر حجماً، وتعتبر الموارد الطبيعية في الجزر هي جزء من السبب.

جزر الكوريل من وجهة نظر روسية
إن الدافع الروسي للحفاظ على السيطرة على جزر الكوريل هو في المقام الأول دافع عسكري. فالجزر تشكل نقطة خروج حيوية لكل من الأسطول الروسي في المحيط الهادي وطائراته العسكرية. كما أنها توفر خيارات قاعدة قيمة لإطلاق النار وجمع المعلومات الاستخباراتية. كما ظهرت تقارير أخرى تفيد بأن روسيا تخطط لبدء مشروع غواصات لمنع الجيش الأمريكي من دخول المنطقة.
الوضع الحالي للجزر
يعيش على الجزر الآن جالية روسية قوامها 30 ألف نسمة، كما يوجد بها أيضًا وجود عسكري روسي. وقد دعمت الحكومة الروسية خطة بقيمة 17 مليار روبل (630 مليون دولار أميركي) في 2006 لتنمية سلسلة جزر الكوريل بأكملها، بما في ذلك تحسين البنية الأساسية للطاقة والنقل، كما قامت ببناء أنظمة صاروخية ونشرت بشكل دائم قاذفات صواريخ مضادة للطائرات، وبنت أكثر من 50 قطعة جديدة من البنية التحتية العسكرية. وفي الوقت نفسه، عملت الحكومة اليابانية على إبقاء الوعي العام بشأن هذا النزاع. وقد جعلت الزيارات الدورية التي يقوم بها أقارب النازحين بعد الحرب للصلاة أمام أضرحة أجدادهم هذه القضية قضية ذات حساسية شديدة لدى الرأي العام الياباني.
وتزعم اليابان سيادتها على الجزر، وتصر على ضمها تحت سيادتها، كما تزعم أن روسيا ليس لها أي حق قانوني في المطالبة بها. بينما تؤكد روسيا أنها أراضيها الخاصة، محاولة قمع أي مقاومة من جانب السكان اليابانيين في الجزر. ولاستعادة الأراضي، قد تفكر اليابان في التحكيم الدولي؛ ولكن هذا المسار قد لا يكون الأكثر فعالية. نظرا لأن حق النقض الذي تتمتع به روسيا في الأمم المتحدة يجعل من غير المرجح أن تؤتي تحركات الأمم المتحدة أي ثمار.
وفي ظل غياب التواصل الواضح بين روسيا واليابان بشأن جزر الكوريل المتنازع عليها، وعدم رغبة الطرفين في التوصل إلى تسوية، فمن غير المرجح أن يتم حل الصراع في المستقبل القريب. والغموض الذي يحيط بالسيطرة على الجزر لا يؤدي إلا إلى تصاعد التوترات وربما إشعال فتيل الحروب في المستقبل.

إعداد و تقديم جنة الجندي لمزيد من المحتوى المقدم من الكاتبة، بالإمكان متابعة صفحتها الخاصة عبر فيسبوك.