قراءة في تاريخ النينجا

قراءة في تاريخ النينجا
قراءة في تاريخ النينجا

لقد انتهى عصر الشوغون والساموراي في اليابان منذ زمن بعيد. ولكن لاتزال اليابان تقدّر النينجا في تاريخها وثقافتها. وانتقل الاهتمام بهم إلى الغرب والعالم كله. كان النينجا خبراء في فنون التجسس والتسلل والاغتيال الصامت. وقد توارثوا مهاراتهم من الآباء إلى الأبناء. ولكن اليوم يقولون إنهم سيكونون آخر من تبقى. يعتبر النينجا من أهم وأشهر الرموز المرتبطة بالثقافة اليابانية، من التاريخ العريق والمهارة القوية إلى عالم الأنمي والكرتون، فمن هم النينجا وما هو ماضيهم؟ وما الذي يمثلوه في العصر الحالي؟



من هم النينجا؟


النـينجا اليابانيون يعشقون الغموض. وقد استأجرهم محاربو الساموراي النبلاء للتجسس والتخريب والقتل. وكانت ملابسهم الداكنة تغطي كل شيء باستثناء أعينهم، مما يجعلهم غير مرئيين تقريبًا في الظل حتى يهاجموا. باستخدام أسلحة مثل الشوريكين، وأنبوب النفخ الفوكيا، كانوا صامتين ولكنهم مميتون. كان النيـنجا أيضًا من المبارزين المشهورين. ولم يستخدموا أسلحتهم للقتل فحسب، بل لمساعدتهم على تسلق الجدران الحجرية، أو التسلل إلى القلاع أو مراقبة أعدائهم.


كانت أغلب مهامهم سرية، لذا فإن الوثائق الرسمية التي تفصل أنشطتهم قليلة للغاية. وقد انتقلت أدواتهم وأساليبهم من جيل إلى جيل عن طريق التناقل الشفهي.

تاريخ النينجا


إن الكثير مما نعرفه اليوم عن نشاط النينـجا الفعلي مأخوذ من مخطوطات محفوظة من فترة سينجوكو (1467 – 1600). وقد وجد المؤرخون إشارات إلى نشاط النـينجا في وقت مبكر من القرن الثاني عشر وفي حرب نانبوكتشو (1336-1392) وحرب أونين (1467-1477). إلا أن استخدامها لم يصبح معروفًا على نطاق واسع إلا في فترة سينجوكو، مع ظهور عشيرتي النينـجا الرئيسيتين المجاورتين؛ إيجا وكوجا.


نينجا في التراث الياباني
نينجا في التراث الياباني


عشيرتا إيغا وكوجا


قبل إنشاء عشائر النينجـا إيغا وكوجا، كان يُعتقد أن النينجـا كانوا في الغالب من عامة الناس من الطبقة الدنيا مع القليل من التدريب الرسمي أو بدونه. وكان يتم توظيفهم كمرتزقة من قبل الساموراي الأقوياء من أجل القيام بمهام اعتبرت غير شريفة بالنسبة لهم. لقد أسست مقاطعة إيغا وقرية كوجا كمركزين لتعليم فن “النينجوتسو”، حيث أنتجت نينجا محترفين مدربين خصيصًا للمهام التي كان من المتوقع أن يقوموا بها. وهناك العديد من العوامل التي لعبت دورًا في ظهور مقاطعة إيجا كمركز تدريب النينـجا في اليابان، وتشمل هذه العوامل:


التركيبة الجغرافية للمنطقة


وفرت سلسلة جبال كيي حاجزًا طبيعيًا ضد الأعداء وجعلت المنطقة صعبة الوصول، مما سمح لمدارس النيـنجا في المنطقة بالعمل والنمو في السر.


التركيبة السياسية للمنطقة


وبما أن المنطقة كانت ريفية، فلم يكن هناك تاريخ لأمراء الحرب الذين أبدوا اهتمامًا كبيرًا بها. وهذا ما سمح لإيغا وكوجا بالنمو كمجتمعين مستقلين في سرية شديدة.

كلمة “نينجا”


على عكس الاعتقاد السائد، لم تكن كلمة “نينجا” مستخدمة على نطاق واسع في الوقت الذي كان فيه النيـنجا نشطين بالفعل. يُعتقد أن الاسم الأكثر استخدامًا لأولئك المشاركين في نشاط النيـنجا كان “Shinobi no mono”، المختصر إلى “Shinobi”، مصطلح “نينجا” هو قراءة مختلفة لنفس الحروف الصينية (忍者)، والتي تُترجم إلى “من يثابر”. وهناك أدلة على وجود العديد من الأسماء الأخرى المستخدمة لمخاطبة النيـنجا خلال فترة سينجوكو، أحدها هو “إيجا مونو”، والذي يعني حرفيًا “من هو من إيغا”.

فن النينجوتسو


لم يكن النينجوتسو فنًا قتاليًا على عكس الاعتقاد السائد. فوفقًا لمتحف النينـجا في إيغاريو: “الشخص الذي يستخدم النينجوتسو هو نينجا. ولكنه ليس فنًا قتاليًا. النينجوتسو هو فن حرب مستقل تطور بشكل رئيسي في منطقتي إيغا في محافظة ميه، وكوكا في محافظة شيغا باليابان”.

في النصوص الأصلية الثلاثة الرئيسية للنينجا -والتي لا تزال موجودة حتى اليوم- (بانسينشوكاي، ونينبيدن، وشونينكي)، كانت ثلاثتهم قتالات مسلحة، مما يعني أن أي مدارس فنون قتالية “نينجوتسو” حديثة لا ترتبط بشكل أصيل بأي ممارسات أو تقنيات يستخدمها النينجـا بالفعل.

يركز النينجوتسو في المقام الأول على التجسس والتخفي، ورغم أنه من المتفق عليه أن تدريب الفنون القتالية كان أحد مكوناته، إلا أنه لم يكن محوره الأساسي. قدم النينجوتسو للنينجا تدريبًا في مجالات مثل التسلل وفك الشفرات ونشر المعلومات المضللة والتخريب. وهناك اعتقاد خاطئ شائع آخر وهو أن جميع النـينجا كانوا قتلة مدربين.


فن النينجوتسو
فن النينجوتسو

روحانية النينجا


كانت الجبال المحيطة بمقاطعة إيغا تعتبر مكانًا مقدسًا في الديانة البوذية. وحتى يومنا هذا، لا تزال القرى المحلية تعرض تماثيل بوذا من حقبة هيئان، مما يؤكد أن البوذية التانترا -التابعة لطائفة تينداي البوذية- كانت سائدة هناك ذات يوم.


ومن أشهر عائلات النيـنجا من إيجا هما عشيرتا فوجيباياشي وهاتوري، وكل منهما مارست الشنتوية وعبدت في الأضرحة التي لا تزال نشطة حتى اليوم. حيث كانت عشيرة فوجيباياشي تعبد في ضريح تيجيكارا-جينجا، وكانوا على دراية خاصة بالممارسات القائمة على النار والتي يتم الاحتفال بها كل عام بمهرجان الألعاب النارية في الضريح.


ضريح تيجيكارا-جينجا
ضريح تيجيكارا-جينجا


أما عشيرة هاتوري، التي يُنسب إليها تأسيس فن النينجوتسو، مرتبطة بضريح أيكوني حيث يُقال إنهم أسسوا مهرجان “كوروندو ماتسوري” السري، حيث كان يتعين على الأعضاء الحضور بملابس سوداء بالكامل.

الأسلحة والزي الرسمي


كان هدف النينـجا هو عدم ملاحظة وجودهم، مما دفع العلماء إلى الاعتقاد بأنهم كانوا غالبًا ما يتظاهرون بأنهم مزارعون وكهنة وتجار. وعند العمل في الليل، كانت الملابس العادية في ذلك الوقت تُستخدم (والتي على الرغم من أنها ليست مختلفة كثيرًا عن البدلة السوداء) ولكن ربما كانت زرقاء داكنة اللون، والتي يبدو أنها أكثر فعالية من الأسود عند محاولة البقاء دون أن يتم اكتشافهم.


تعرض قاعة تجربة النينـجا، الواقعة داخل متحف النينجـا في إيغاريو، أكثر من 400 أداة يستخدمها النينـجا من عشيرة إيغا. وتشمل الأدوات المستخدمة في فتح الأقفال وعبور المياه والتسلق وحفر ثقوب في جدران القلعة. وتشمل أدوات القتال المعروضة “ساي” و”شوريكن” (نجوم النينجا). وأحد الأمور المثيرة للاهتمام هو مدى تشابه الأسلحة مع أدوات الزراعة، حيث أن العديد منها عبارة عن إصدارات معدلة بالفعل.

النينجا بالوقت الحاضر.. الزعيم كاواكامي


كاواكامي هو الزعيم الحادي والعشرين لعائلة بان، أحد 53 عائلة تشكل عشيرة كوكا في النينجـا. بدأ تعلم النينجوتسو (تقنيات النـينجا) عندما كان في السادسة من عمره، من معلمه ماسازو إيشيدا.
حيث يقول في تدريباته: “لقد تساءلت أيضًا عما إذا كان يدربي لأكون لصًا لأنه علمني كيفية المشي بهدوء وكيفية اقتحام المنزل.” ومن المهارات الأخرى التي أتقنها صناعة المتفجرات وخلط الأدوية، قائلا “لا يزال بإمكاني خلط بعض الأعشاب لإنتاج السم الذي لا يقتل بالضرورة لكنه قد يجعل الشخص يعتقد أنه مصاب بمرض معدٍ”.


ورث كاواكامي مخطوطات العشيرة القديمة عندما كان عمره 18 عامًا، وبينما كان من الشائع أن تنتقل هذه المهارات من الأب إلى الابن، فقد تم أيضًا تبني العديد من الشباب في عشائر النينـجا.
وكما يقول كاواكامي “لم يكونوا مجرد قتلة كما يعتقد بعض الناس في الأفلام”. وفي الواقع، كان لديهم وظائف يومية. وهناك العديد من النظريات حول هذه الوظائف اليومية. يُعتقد أن بعض النينـجا كانوا مزارعين، والبعض الآخر كانوا باعة متجولين استخدموا وظائفهم اليومية للتجسس.

يقول كاواكامي: “نعتقد أن بعضهم أصبحوا ساموراي خلال فترة إيدو. وكان لزامًا عليهم تصنيفهم ضمن الطبقات الأربع التي حددتها حكومة توكوغاوا: المحاربون، والمزارعون، والحرفيون، والتجار”.


أما بالنسبة لنينجا القرن الحادي والعشرين، فإن كاواكامي مهندس مدرب. وفي بدلته، يبدو مثل أي رجل أعمال ياباني آخر.


النينجا الياباني الحديث كاواكامي
النينجا الياباني الحديث كاواكامي

هاتسومي المعلم والمدرب


ولكن لقب “آخر نينجا في اليابان” قد لا يكون لقبه الوحيد. إذ يقول ماساكي هاتسومي البالغ من العمر ثمانين عامًا إنه زعيم عشيرة نينجا أخرى باقية – عشيرة توجاكوري.
يعتبر هاتسومي هو مؤسس منظمة دولية للفنون القتالية تسمى بوجينكان، والتي تضم أكثر من 300 ألف متدرب حول العالم. ولا تتوقف شهرة هاتسومي عند هذا الحد. فقد ساهم في عدد لا يحصى من الأفلام كمستشار في فنون الدفاع عن النفس، ويواصل ممارسة تقنيات النينـجا.


النينجا هاتسومي
النينجا هاتسومي

يتفق كاواكامي وهاتسومي على نقطة واحدة، وهي أن أياً منهما لن يعين أي شخص ليتولى منصب أستاذ النينـجا التالي. ويقول كاواكامي “في عصر الحروب الأهلية أو خلال فترة إيدو، ربما كانت قدرات النينجـا على التجسس والقتل، أو خلط الأدوية، مفيدة” “لكن لدينا الآن الأسلحة والإنترنت وأدوية أفضل بكثير، وبالتالي فإن فن النينجوتسو لم يعد له مكان في العصر الحديث.” ونتيجةً لذلك، قرر هاتسومي عدم قبول أي تلميذ، بل يقوم فقط بتدريس تاريخ النينـجا بدوام جزئي في جامعة ميه. وعلى الرغم من وجود عدد كبير من التلاميذ، قرر السيد هاتسومي أيضًا عدم اختيار وريث.

لن يُنسى النينـجا. لكن القتلة السريين الذين كانوا يخشونهم في الماضي أصبحوا الآن يُذكرون بشكل رئيسي من خلال الشخصيات الخيالية في الرسوم المتحركة والأفلام وألعاب الفيديو، أو كمعالم سياحية. لقد اختفى الغموض حتى قبل أن يموت آخر نينجا.

إعداد و تقديم جنة الجندي لمزيد من المحتوى المقدم من الكاتبة، بالإمكان متابعة صفحتها الخاصة عبر فيسبوك.

انضم الآن مجاناً لتصبح عضواً متميزاً في مجلة اليابان للحصول على آخر المستجدات والأخبار من الموقع. مع العديد من العروض والمفاجآت! (اضغط هنا)

صورة المقال الرئيسية:
Photo by Gaku Suyama on Unsplash

0 0 votes
Article Rating

اكتب تعليقًا

0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x