في إطار الاستعدادات لإقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب بالتعاون مع العديد من دور النشر. والذي تم تأجيله هذا العام من شهر يناير إلى نهاية شهر يونيو بسبب جائحة كورونا. تم تكليفي من قبل مجلة عالم الكتاب التابعة لوزارة الثقافة المصرية بإعداد ملف كامل عن تاريخ معرض القاهرة الدولي للكتاب كمنجز ثقافي منذ إنشائه عام 1969 وحتى آخر دورة له عام 2020م.
وكان من ضمن ما حرصت عليه في خطة إعدادي لهذا الملف مقابلة الأستاذ سمير سعد خليل. وهو أقدم منظم لمعرض الكتاب في مصر والشرق الأوسط والذى جاء في معرض كلامه الكثير والكثير عن زيارته الأولى لليابان. والتي نتعرف من خلالها على صناعة الكتاب وطبيعة النشر في اليابان وطرق توزيع الكتب اليابانية سواء في اليابان أو خارجها منذ ثمانينات القرن الماضي وانطباعه الشخصي يقول أ.سمير:
دعوة لزيارة اليابان
في أوائل الثمانينات تلقيت دعوة لزيارة اليابان عن طريق مؤسسة “جابان فاوندايشن” بواسطة مدام “كوهاري”. هذه المؤسسة هي التي كانت منوطة بتنظيم جناح اليابان في معرض القاهرة الدولى للكتاب وهى تعتبر جزء من السفارة اليابانية في القاهرة .
كانت اليابان حاضرةً على الدوام في معرض القاهرة منذ سنوات عدة ولم تنقطع عن المعرض في أي سنة من السنوات وكان لهم مكان محدد ومميز في صالة العرض ولا يرغب القائمون على هذا المكان تركه أو تغييره على الإطلاق. ولقد حاولت عدة مرات تغيير المكان لمكان أفضل من حيث الزيارة الرسمية ولكنهم رفضوا رفضًا باتًا تغييره .
كانت المرة الأولى التي أسافر فيها إلى اليابان وكان سفري على الخطوط الماليزية من القاهرة إلى كوالالمبور واستغرقت هذه الرحلة طيران مباشر 12 ساعة وفي كوالالمبور انتظرت 5 ساعات ثم استأنفت رحلتي التالية على متن الخطوط اليابانية من كوالالمبور إلى طوكيو والتي استغرقت 7 ساعات متصلة.
لحظة الوصول للمطار
في مطار طوكيو وجدت فتاة يابانية تحمل لافتة عليها اسمي فتوجهت لها فبادرتني بالعربية “حمد لله على السلامة، هل تريد دخول الحمام أم نذهب مباشرةً الى الفندق؟”، فقلت لها نذهب إلى الفندق، فقالت لي أن المسافة من المطار إلى الفندق فى وسط المدينة 80 كيلومتر، وقالت أن المطار يبعد عن المدينة 80 كيلومتر وسوف تستغرق السيارة نحو ساعة ونصف.
كان الاجتماع الأول اجتماع تعارف ومراجعة لبرنامج الرحلة. وزيارة لبعض إدارات الوزارة وانضمت إلينا وكيلة وزارة الثقافة. وكان أول سؤال لها أين كاميرتك؟ فأجبتها بأني لم أحضرها لأني أنوي شراء واحدة من اليابان! فقالت لن تستطيع إنها غالية الثمن هنا ونحن نشتري كاميراتنا من الخارج ونعود بها إلى هنا! وكانت الصدمة الأولى!
بدأت زيارتي لبعض دور النشر اليابانية ووجدتُ العجب العجاب! فدور النشر تختص فقط بالنشر وليس لها علاقة بالطباعة أو التسويق!
فلا يوجد دار نشر لها مطبعتها الخاصة أو لها إدارة توزيع أو تسويق لكتبها أو تمتلك مكتبات لتوزيع كتبها! حيث توجد شركات متخصصة في الطباعة ليست الكتب فقط بل جميع أنواع الطباعة! وبالتالي انتفى العبء المالي الثابت بالنسبة للطباعة من على كاهل الناشر!
النقطة الثانية أن الناشر غير مسؤول عن التوزيع. وتوجد شركات متخصصة لتوزيع الكتب سواءً في الداخل أو في الخارج وهنا أيضًا انتفى العبء المالى الثابت من على كاهل الناشر !
وعلى هذا ينحصر دور الناشر في اختيار الكتب وفحصها وعمل التصميمات الخاصة بها. سواءً للغلاف أو المتن وعند إقرارها يتم إرسالها إلى المطبعة لطباعة الكتاب الذي تختلف طريقة طباعته من موضوع إلى آخر. وعليه فإن دار النشر تتعامل مع أكثر من مطبعة. كما أن الناشر هو الذي يحدد نوعية الورق المستخدم في الطباعة وكذلك باقى الشؤون الفنية المتعلقة بالكتاب قبل تسليمه للمطبعة.
الطباعة:
فهذه المطبعة متخصصة في طباعة الألوان فيرسل لها الكتب التي تتطلب طباعتها عدة ألوان. ككتب الأطفال وهذه المطبعة متخصصة فى طباعة اللون الواحد فيرسل لها الكتاب الذي سيطبع لون واحد. حتى إذا تطلب الأمر أن يطبع الكتاب من الداخل لون واحد والغلاف عدة ألوان فتتم طباعة الكتاب في مطبعة والغلاف في مطبعة أخرى. وبذلك تكون تكلفة الطباعة في أضيق الحدود. أسعار الطباعة ثابتة في جميع أنحاء اليابان. فلا يوجد فارق في الأسعار بين هذه المطبعة وتلك.
التسويق:
ينقسم التسويق إلى عدة محاور:
التسويق الداخلي: توجد شركات متخصصة فى تسويق الكتب داخل اليابان. وهذه الشركات هي المسؤولة عن توصيل الكتاب إلى كل بقعة في اليابان من خلال المكتبات أو الفرشات الخاصة بالكتب والمجلات (مع الفارق) أو من خلال “دور تو دور (Door To Door) بحيث يكون الكتاب في متناول الجميع وبالتساوي بين جميع المناطق بدون تمييز.
التسويق الخارجي: توجد شركات متخصصة لتسويق هذه الكتب خارج اليابان وهم يقسمون العالم إلى عدة مناطق. وكل شركة لها منطقة معينة توزع فيها الكتب اليابانية وغير مسموح لأي شركة بالتعدي على منطقة شركة أخرى. فعلى سبيل المثال إذا طلب مستوردٌ في أمريكا كتبًا يابانيةً من موزعٍ ياباني في أوروبا فإن الموزع الياباني في أوروبا يقوم بإرسال الطلبية إلى الموزع المختص لهذه المنطقة.
بيع حقوق الملكية الفكرية
نفس الشيء بالنسبة للترجمة. فنفس الأسلوب المتبع في التسويق الخارجي يتبع في بيع حقوق الملكية الفكرية وترجمة الكتب اليابانية إلى اللغات الأخرى ولكن بكوادر وأناس وشركات وأفراد متخصصين فى بيع حقوق الملكية الفكرية.
وكان اللافت للانتباه أن شركات النشر متخصصة. فهذه الشركة متخصصة في نشر كتب الأطفال. وهذه الشركة متخصصة في نشر الكتب العلمية. (مع تقسيم العلوم المختلفة على الشركات المتعددة)، فهذه الشركة متخصصة في كتب الطب، وهذه متخصصة فى كتب الهندسة، وهذه متخصصة في العلوم الاجتماعية، وتلك متخصصة فى العلوم البحتة. وهذه الشركات متخصصة فى كتب الأدب (سواء القصة والرواية). أو الأدب القديم أو التراث.
وهذه التقسيمات النوعية تتيح لهذه الشركات الاستقرار والارتقاء بمستوى المهنة مع عدم الاستغلال.
في أحد الأيام تلقت المترجمة المرافقة لي مكالمةً في منتصف النهار. بعدها أخبرتني بأنه تم تعديل برنامج الغد ليكون زيارة لأحد المدارس اليابانية والتي تضم أقسامًا للحضانة (قبل المراحل التعليمية في المدرسة). وقسم التعليم الابتدائي. ولم أفهم المغزى من هذا التعديل المفاجئ. وما علاقة ذلك بالكتاب ودارت أسئلة عديدة ولم تستطع المترجمة أن ترد عليها أو هكذا بدت وطلبت مني الانتظار إلى الصباح. وفي الصباح اصطحبتني إلى أحد المدارس في الطرف الشرقي للمدينة وكان هذا اليوم يصادف موعد بداية العام الدراسي.
المدرسة تتكون من ثلاث مراحل:
الأولى: مخصصة لأطفال الحضانة من سن 4 إلى 6 سنوات.
الثانية: مخصصة للمرحلة الابتدائية من 7 سنوات إلى 12 سنة.
الثالثة: مخصصة للمرحلة الثانوية من سن 13 سنة إلى 19 سنة.
وتابعت دخول المرحلة الثالثة من انتظام التلاميذ في صفوف وعمل بعض التمارين الرياضية ثم التوجه إلى الفصول.
وحدث نفس الشيء بالنسبة للمرحلة الثانية وبعدها المرحلة الأولى. واستضافتني مديرة المدرسة في المطعم الخاص بالمدرسة وبدأت تشرح لي طريقة الدراسة.
وفي تمام الساعة الحادية عشرة والنصف دوت صفارات الإنذار فذعرت وتلفت حولي فلم أجد مديرة المدرسة ولكن المترجمة أخذتني من يدي وانطلقنا إلى الشرفة لأجد التلاميذ الذين كانوا في الفصول بلمح البصر متواجدين في صفوف وأمام كل مجموعة مدرس يقودهم إلى خارج المدرسة.
نرحب بمتابعتكم لقناتنا عبر إنستغرام (بالضغط هنا).
ثم جاء الدور على أطفال الحضانة الذين اصطفوا بنفس الأسلوب ومدرسيهم معهم وانتظروا أولياء الأمور لأخذ أبنائهم من المدرسة. في الخارج لاحظت أن جميع التلاميذ والسابقين وحتى أولياء الأمور والأطفال يسيرون في وسط الشارع أي في المسافة التي تفصل بين اتجاهات السيارات (سيارات الذهاب وسيارات الإياب). ولا وجود لسيارات خاصة تجوب الشوارع.
السيارات الوحيدة المسموح لها بالتنقل هي سيارات الإسعاف وسيارات الشرطة والنجدة والإنقاذ السريع. وبعد الانتهاء من مغادرة كل التلاميذ والأطفال المدرسة بدأت المديرة تشرح لي هذا الفعل.. وقالت إنه تقليد قديم في اليابان!
المعروف أن اليابان منطقة زلازل وهزات أرضية متكررة والتي تتسبب في دمار المباني والمساكن والإنشاءات. ولكي يتعود الأطفال والتلاميذ على مواجهة هذا الحدث فقد قررت الحكومة اليابانية فى أول كل عام دراسي عمل تجربة لهذا الإنذار الكاذب بدون علم الأطفال والتلاميذ لكي يتعودوا على مواجهة هذه المواقف في حال حدوثها. ولكي يتم تدارك الأخطاء عند وقوعها ومواجهة القصور إن وجد. بعد ذلك بفترة انطلقت صفارات الإنذار مرة أخرى تعلن انتهاء التجربة.
رحلتي خارج طوكيو
كان أول مدينة أزورها هي كيوتو. تقع هذه المدينة جنوب العاصمة طوكيو وتبعد عنها حوالي 400 كيلومتر .وهي عاصمة الإمبراطورية اليابانية القديمة و الاختلاف الوحيد بينها وبين طوكيو العاصمة الحالية هو كثرة المساحات الخضراء وعدم ارتفاع المباني. أي لا توجد بها ناطحات سحاب مثل طوكيو. والطراز الياباني التقليدي يطغى على واجهات المباني التي لاتزال محتفظةً بطابعها المعماري الفريد. وكذلك وسائل مواصلاتها. فالترام مثلاً محافظ على نفس شكله القديم ولكن من الداخل يحتوي على أحدث التقنيات الخاصة بوسائل النقل. وينعكس هذا أيضًا على الأوتوبيسات الداخلية (أوتوبيسات النقل العام). أما مترو الأنفاق فهو على أحدث طراز.
اللافت للنظر وجود النافورات الكبيرة في مداخل الفنادق الكبرى ليس في طوكيو كعاصمة. ولكن في جميع المدن التي زرتها هذه النافورات تحتوي على كمية من الأسماك الملونة بأحجام مختلفة وأشكال متنوعة فقد يصل حجم الواحدة إلى حجم سمكة البوري الكبيرة وبألوان متعددة. فمنها الأصفر والأزرق والأحمر وغيرها من الألوان. ويزيد من روعة ومكان المنظر تزين هذه النافورات بمصابيح إنارة لتعكس الضوء على هذه الأسماك،. ونفس الشيء يتكرر أمام المباني العادية ولكن بحجم أصغر من ذلك.
باحث بوزارة الآثار المصرية وحاصل على الماجستير في الآثار، مؤلف كتاب (أيام في طوكيو)، وعضوًا عاملاً في اتحاد كتاب مصر، والجمعية المصرية للدراسات التاريخية.
انضم الآن مجاناً لتصبح عضواً متميزاً في مجلة اليابان للحصول على آخر المستجدات والأخبار من الموقع مع العديد من العروض والمفاجآت! (اضغط هنا)
تجربة جهاز الانذار للتدرب علي اوقات الزلازل تجربه قيمة ومفيده
اكثر ما اعجبني في هذي القصة هو التنظيم والتناسق الذي يجعل الشخص يحب عمله ويبدع فيه حتى وإن كان بسيط ( اليابان عالم اخر)
جميل جدا هذا المقال في وصف صناعة الكتاب والدقة في الوقت ، والاهتمام بتربية النشأ على الزلازال رغم تجاوز اليابان لهذا المشكل بأبنية مضادة للزلازل . أسأل الله أن تتيح الظروف لي كصحفية بزيارة اليابان ، فعلا بلاد جديرة بالزيارة والكتابة عن نهضة الانسان الياباني بعد دمار الحرب العالمية الثانية ، تنافس اليوم بجدار أمريكا التي تسببت بكارثة إنسانية بتفجير قنبلة هيروشيما على المدنيين لتكسب الحرب . جريمة ضد الانسانية لازالت آثارها إلى اليوم في تلك المنطقة المنكوبة .
حقا. وصف دقيق ومشوق من. مسؤل متألق وكاتب محترف لنقل صورة حقيقية. عن دولة متميزة في دقتها تهتم بالتخصص الدقيق كأساس اقتصادى سليم
لا عجب في ذلك فاليابان بلد منظم ممنهج لذلك وصل الى ما هو عليه الان
شكرآ جزيلا لكل من تابع مقال المراحل التعليمية ودور النشر اليابانية
وأود ان اقول انه فى رأيى المتواضع ان اساس تقدم اى دولة ونهضتها هو التعليم فاذا صلح التعليم صلح كل شيء فى الدولة
وليس أدل على ذلك من بعض الأمثلة الحية التى أسوقها بداية من المانيا الاتحادية ( الغربية سابقا ) بعد الحرب العالمية الثانية ونهضتها العلمية والثقافية التى بدأتها من الصفر …كما ان ماليزيا حتى بداية الستينيات كانت من الدول المتخلفة واصبحت الآن من الدول العشرين الأقوى اقتصاد فى العالم كل دلك بفضل التعليم الجيد … واعتذر عن سرد باقى الدول فان المجال لا يتسع لذلك ويلزمه كتب ومجلدات عدة
سمير سعد خليل
خبير المعارض الدولية للكتاب
احد مؤسسى معرض القاهرة الدولى للكتاب
الثقافة اليابانية متقدمة صناعتها وتكنولجيتها. احب قراءة الروائي الياباني هاروكي موراكامي ولا يقل كتاباته عن الكتاب الكبار مثل ماركيز وباولو كويلو وارنست همنغواي
كل شيء بنظام
دور النشر في اليابان حقا مكلفة هناك عدة خطوات
وكل خطوة مسؤولة عن مهمة معينة
كانت ومازالت اليابان تتميز بنظام التدريس الخاص بمدارسها من تنسيق وتنظيم ونظافة ❤️
إنه لمن الجميل أن اي فندق تدخله في اليابان سوف تجد نافورات مملوءة بالاسماك ومع مصابيح الإنارة المزينة بالنافورة يزيد من روعة المشهد
لم اكن اعلم ان دور النشر ليس لها علاقة بالطباعة والتسويق
فعلا الافت للنظر هو وجود النافورات في اغلب الفنادق في اليابان
الشي الذي اعجبني فكرة الانذار للزلال لكي يتعلم الطلاب ذلك مبكرا
شكرا كانت مقالة جميلة ومفيدة
تنظيم السنوات الدراسية اشبه تنظيمها في بلادي
احب نظام المدارس اليابانية وسلوبهم في التعليم
شكرا للدكتور لمشاركته ايانا هذه المعلومات القيمة واهمها مراحل الدراسة في اليابان الثلاث والعمر اللازم لها
نشكر رضا محمد عبد الرحيم على كتابة هذا المقال و مشاركتنا للتفاصيل التى مر بها لقد استمتعت بالقراءة كثيرا
مقال رائع
انه مقال رائع حقا انصح الجميع بقرائته وان دل دل على تطور والتنظيم الكبيرين الذي وصلت لهما اليابان وكيف ينعكس ذلك على الافراد