فاز يوشيهيديه سوغا برئاسة وزراء اليابان في الـ16 من سبتمبر/أيلول بأغلبية ساحقة بعد استقالة شينزو آبيه لأسباب صحية في أغسطس/آب، حيث يُعد سوغا شخصيةً غامضة عملت خلف الكواليس في الوسط السياسي الياباني وبرزت للسطح في السنوات القليلة الماضية دون أن تمتلك جذوراً عميقة مقارنةً بقادة اليابان السابقين. فمن هو سوغا؟ وكيف ستكون اليابان تحت قيادته؟
يوشيهيديه سوغا المزارع الكادح
ولد يوشيهيديه سوغا في 6 ديسمبر/كانون الأول 1948 ببلدة صغيرة تقع في محافظة أكيتا شمال اليابان، كان والده يعمل في شركة لسكك الحديد وثم انتقل للعمل كمزارع فراولة (بعد نهاية الحرب العالمية الثانية) بينما عملت والدة سوغا كمعلمة. وساعد يوشيهيديه سوغا خلال سنوات طفولته في زراعة الفراولة وكان من المتوقع منه أن يُشرفَ على عمل العائلة المعني بزراعة وبيع الفراولة بصفته الطفل الأكبر.
ولكن اهتمامات سوغا كانت بعيدةً عن مستقبل زراعة الفراولة اليابانية، حيث سعى ليجد طريقه الخاص و “هرب من المنزل” ليجد عملاً في العاصمة طوكيو. انخرط سوغا لاحقاً في عمل جديد لصناعة الكرتون ولكنه سرعان ما شعر بخيبة أمل، لذلك استقال وانضم لجامعة “هوسيه – Hosei” عام 1969.
وقال يوشيهيديه سوغا سابقاً للصحافة، بأنه لم يكن لديه اهتمام آنذاك بالمشاكل السياسية التي كانت تمر بها اليابان والمظاهرات الواسعة ضد التحالف الياباني الأمريكي الدفاعي خلال نهاية الستينات. حيث ركز سوغا على مشواره المهني، وعمل كحارس أمني وثم مساعد في نشرة إخبارية ليدفع تكاليف تعليمه الجامعي.
وخلال فترة تعليمه أصبح سوغا نائب رئيس فريق الكاراتيه في جامعته، وثم تخرج لاحقاً ليبدأ العمل في شركة للصيانة الكهربائية. تغيرت أحوال سوغا مع الوقت ونمى اهتمامه بالسياسة ثم أصبحَ مساعداً لعضو في البرلمان الياباني لنحو 10 سنوات؛ مما مهد له الطريق لتعلم كل ما يتعلق بالسياسة اليابانية.
بداية مشوار سوغا السياسي
تحول المزارع الطموح إلى سياسي محلي بسيط في عام 1987، بعدما رشح سوغا نفسه لمنصب في مجلس مدينة يوكوهاما بالقرب من طوكيو وفاز به. وفي عام 1996 فاز سوغا بمنصب في مجلس النواب الياباني عن عمر 47 عاماً، بعدما توفي أحد الأعضاء بشكلٍ مفاجئ والذي كان من المفترض أن يحل محل والده في المنصب ليمثل دائرته الانتخابية.
دخل سوغا مجلس النواب الياباني بخبرة تبلغ أكثر من 10 أعوام في مجال السياسة، وتمكن من رسم صورة “الرجل العصامي” في المجلس بشعاره الشهير “حيث تكمن الإرادة تكمن الوسيلة”. ولم يكن من السهل على سوغا شق طريقه في عالم السياسة اليابانية نظراً لجذوره البسيطة بالأخص عند مقارنتها مع رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبيه، والذي كان من عائلة سياسية عريقة وأعد ليكون رئيساً للوزراء منذ صغره.
أصبح يوشيهيديه سوغا الذي يفتخر بأصله البسيط كمزارع فراولة، شخصية مقربة من شينزو آبيه خلال فترة خدمته في المجلس بسبب موقفهما الموحد حيال قضية إعادة المختطفين اليابانيين، والذين اختطفوا من قبل عملاء كوريا الشمالية خلال السبعينات والثمانينات.
وبعدما أصبح شينزو آبيه رئيساً للوزراء في فترته الأولى الممتدة بين 2006 و 2007 (استقال بعد عام لأسباب صحية)، اختار سوغا ليكون وزيراً للشؤون الداخلية والاتصالات. وتمكن سوغا آنذاك من دفع برنامج جديد لتخفيض الضرائب عن حكومات البلدات الصغيرة في حال تلقت تبرعات مالية (لإنعاش اقتصادها). ولعب دوراً رئيسياً في عودة آبيه للسلطة في عام 2012 ليصبح لاحقاً صاحب أطول فترة خدمة في منصب رئيس الوزراء قبيل استقالته المفاجئة لأسباب صحية.
يوشيهيديه سوغا “الجدار الحديدي” وفلسفة عمله
اعتاد سوغا العمل خلف الكواليس بعد أن نال منصب وزير شؤون مجلس الوزراء وكبير متحدثي الحكومة خلال حكومة شينزو آبيه الثانية (2012)، وهو اليد اليمنى لآبيه وفق رأي الخبراء. حيث نال شهرةً واسعة داخل الحكومة بسبب أسلوبه الصارم ونجاحه في إجراء إصلاحات واسعة للنظام الحكومي الياباني ومحاربة البيروقراطية بكافة أشكالها، مما أكسبه لقب “تـيـبّـيـكـي – 鉄壁” وهي كلمة يابانية تعني “الجدار الحديدي” أو “الحصن المنيع”.
وعُرف عن سوغا كذلك إدمانه على العمل، حيث يتألف روتين عمله اليومي من الاستيقاظ في الساعة الـ5 صباحاً وثم قضاء ساعة في قراءة الصحف وبعدها المشي لمدة 40 دقيقة وإجراء 100 تمرين لتقوية عضلات البطن. ويتناول سوغا بعد ذلك الإفطار، ويذهب للعمل في مكتب رئيس الوزراء شينزو آبيه في تمام الساعة الـ9 صباحاً.
وخلال يوم العمل، يعقد سوغا مؤتمرات صحفية ككبير متحدثي الحكومة اليابانية، ونحو 12 اجتماع على مستويات مختلفة من الحكومة. ويفضل أن يتناول النودلز على الغداء لكي يستطيع الانتهاء خلال 5 دقائق فقط. ويغادر سوغا مقر إقامة رئيس الوزراء في تمام الـ6:45 مساءً ويقابل أحياناً بعض السياسيين والأكاديميين لمناقشة السياسة.
ويُعرف عن سوغا أيضاً حبه للحلويات، بسبب أخذه أولئك الذين يعملون تحت أمرته لتناول الحلويات أو الطعام كل بضعة أشهر. ولا ينام سوغا (أبٌ لثلاثة أبناء بالغين) في منزله إلا نادراً، حيث ينام في مهجع تابع للحكومة اليابانية بالقرب من مقر إقامة رئيس الوزراء ليستطيع الذهاب للعمل بسرعة في حالات الطوارئ.
واشتهر سوغا بصرامته وصرفه لأولئك الذين لا يتوافقون مع طريقة تفكيره. وعندما سُئل في مناظرة عقدت لاختيار رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي، ما هو أهم أمر يُساء فهمه عنه، قال: “يعتقد الناس أنني مخيف لكني لطيف جداً مع أولئك الذين يقومون بعملهم بشكل صحيح”.
الطريق لرئاسة الوزراء
لم يكن يوشيهيديه سوغا معروفاً بكثرة من قبل العامة في اليابان، حتى شهر أبريل/نيسان 2019. واكتسب سوغا لقب “العم ريوا” بعدما كشف آنذاك عن اسم حقبة اليابان الجديدة “ريوا – 令和 – التناغم الجميل” للشعب الياباني، وهي حقبة بدأت بارتقاء الإمبراطور ناروهيتو عرش البلاد بعد تنحي والده الإمبراطور الأب أكيهيتو عن العرش لأسباب صحية.
وارتفع نجم سوغا أكثر بعد تنحي رئيس الوزراء السابق شينزو آبيه في الـ28 من أغسطس/آب لأسباب صحية. حيث رأى أعضاء الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم فيه امتداداً لآبيه وحكومته ورؤيته السياسية مما دفع بهم إلى تأييده ضد منافسيه في الحزب خلال انتخابات رئاسة الحزب الحاكم (وبالتالي رئاسة الوزراء).
وخلال بداية سبتمبر/أيلول 2020، أجريت مجموعة مناظرات بين يوشيهيديه سوغا، فوميو كيشيدا (وزير الخارجية الأسبق) وشيغيرو إيشيبا (وزير الدفاع السبق) لاختيار رئيس الحزب الحاكم الجديد لخلافة آبيه. وكان أداء سوغا خلال المناظرات جيداً وعزز عزيمته في تشكيل حكومته الخاصة وإكمال عمل شينزو آبيه، مما دفع بأعضاء الحزب لتأييده بشكلٍ أكبر حتى فاز برئاسة الحزب بأغلبية ساحقة.
وفي الـ16 من سبتمبر/أيلول أصبح يوشيهيديه سوغا رئيس وزراء اليابان الـ99، بعدما فاز برئاسة الحزب الحاكم. وكما يُعرف عنه، أسرع بالتعريف بكابينته الوزارية وتقديم أوارق اعتماده إلى الإمبراطور وثم البدء بعمله خلال يوم واحد فقط دون تأخير.
مستقبل اليابان بقيادة يوشيهيديه سوغا
إن سوغا في نظر الكثير من الخبراء شخصية غامضة وعملية، حيث يفضل العمل في الخفاء وخلف الكواليس مع تجنب الاستعراض أو الأضواء الساطعة. وبعدما أصبح رئيساً لوزراء البلاد سُلطت الأضواء عليه وعلى عائلته وعلى وجه الخصوص زوجته التي لا تحب الأضواء والشهرة. وقال سوغا بعد انتخابه، بأنه واجه صعوبة كبيرة في إقناع زوجته من أجل أن تسمح له بالترشح لمنصب رئاسة الحزب الحاكم!
ومن المتوقع أن يُركزَ رئيس الوزراء الجديد على مشاكل اليابان الداخلية عوضاً عن التركيز على السياسة الخارجية كسلفه شينزو آبيه. ولعل أبرز أهداف سوغا الحالية تتمحور حول خفض تكاليف بيانات الهواتف النقالة، وإحياء قطاع السياحة المتضرر بسبب جائحة كورونا، ومواجهة الفيروس والسيطرة عليه في اليابان، ورقمنة الحكومة ورفع عدد المواليد الجُدد بالإضافة لمكافحة البيروقراطية وشن الحرب عليها.
ويقول “إيتسوشي تانيفوجي” (وهو بروفيسور علوم سياسية في جامعة واسيدا)، بأن سوغا لا يمتلك رؤية كبرى لليابان كمثل سلفه شينزو آبيه، وتفكيره يتمحور حول حل المشاكل المحلية. وهو أسلوب أفاده كثيراً خلال خدمته ككبير متحدثي الحكومة ولكنه لن يخدمه كثيراً كرئيساً للوزراء.
انضم الآن مجاناً لتصبح عضواً متميزاً في مجلة اليابان للحصول على آخر المستجدات والأخبار من الموقع مع العديد من العروض والمفاجآت! (اضغط هنا)
قصص مرتبطة:
شينزو آبيه يستقيل رسمياً، خوفاً من تقصيره بحق الشعب بسبب مرض مزمن
شينزو آبيه يصبح صاحب أطول فترة خدمة دون انقطاع في منصب رئيس الوزراء
بالصور: أهم محطات شينزو آبيه في منصب رئيس الوزراء
المصادر: مكتب رئيس الوزراء الياباني – الحكومة اليابانية – وكالة كيودو – صحيفة “Japan Times” اليابانية – هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية
صورة المقال الأصلية: سوغا يقف لتحية الحاضرين بعد انتخابه كرئيس للحزب الحاكم | عبر كيودو
حيث تكمن الارادة توجد الوسيلة…
تحت عنوان “من جد وجد”
صلابة الإرادة
قصة نجاح ملهمة
يبدو رجلا مكافحا بجد، لنرى اين سيقود اليابان في عهده ؟
رجل مكافح جدا
للنتظر ونرى الى اين سيقود اليابان في فترة رئاستة الوزراء من قبل اتمنى له التوفيق والنجاح
اعتقد ان اليابان في عهده سوف تتطور جيدا
الادارة السياسية في اليابان ممتازة