بعد سنوات عديدة من التحضير، قُرر تأجيل ألعاب طوكيو الأولمبية والبارلمبية رسمياً إلى عام 2021 باتفاق تم بين اليابان ورئيس اللجنة الأولمبية الدولية “توماس باخ” بسبب جائحة فيروس كورونا الجديد. وهو قرار تاريخي يحدث لأول مرة منذ بداية سلسلة الألعاب الأولمبية في عام 1896. في هذا المقال، سنأخذ نظرةً على كواليس قرار التأجيل وما أحاط به من معاناة، حيرة وشكوك راودت المسؤولين في اليابان والتنفيذيين في اللجنة الأولمبية الدولية بسبب وباء كورونا العالمي الذي ألقى بظلاله على الكوكب.
القرار الكبير
اجتمع مسؤولون عن تنظيم دورة الألعاب الأولمبية في منزل رئيس الوزراء الياباني شينزو آبيه في العاصمة طوكيو خلال وقتٍ متأخر من مساء يوم الثلاثاء المصادف 24 مارس/آذار. جلسوا حول طاولة صغيرة منخفضة في غرفة تبدو ضيقة – ربما بسبب حيرتهم – للتحدث مع رئيس اللجنة الأولمبية “توماس باخ” بخصوص أمر الأولمبياد ومصيرها.
انتهت المكالمة بين آبيه وباخ، أغلق الخط وعم الصمت للحظة عابرة وتبادلت أعين الحضور النظرات الخاطفة بسبب وقع ما حدث منذ قليل. برز رئيس الوزراء الياباني شينزو آبيه في غرفة الصحفيين ليخبرهم بقرار تأجيل ألعاب طوكيو الأولمبية وموافقة “باخ” رئيس اللجنة الأولمبية على التأجيل. كان القرار الأكثر مصيريةً في تاريخ الأولمبياد منذ بدايتها قبل أكثر من قرنين!
جاء قرار تأجيل ألعاب طوكيو الأولمبية بعد مفاوضات دامت لأسابيع لتقرير مصير الأولمبياد، وبالرغم من أنه نفحة أمل لطوكيو بسبب عدم إلغاء الألعاب الأولمبية (والذي كان شبه حتمي بسبب جائحة كورونا)، إلا أنه عكس أيضاً سوء تقدير شاسع من قبل المسؤولين في اليابان، والتنفيذيين في اللجنة الأولمبية الدولية في قراءة الرأي العام ومدى تأثير الخوف في مجريات مثل هذه الأحداث العامة المهمة.
قصة مرتبطة: مدينة سابورو تسعى لاستضافة أولمبياد 2030 الشتوية
ما قبل القرار الكبير
برزت أول علامة على المشاكل في شهر يناير/كانون الثاني، عندما بدأ فيروس كورونا الجديد (كوفيد – 19) بالتفشي خارج الأراضي الصينية. سُجلت أولى الحالات في اليابان خلال منتصف يناير/كانون الثاني 2020، وكانت لسُياح من مدينة “ووهان” والتي تعتبر مركز تفشي الفيروس.
وفي بداية فبراير/شباط سُجلت عدة حالات إصابة في اليابان لمواطنين من البلاد، وخلال الـ13 من فبراير/شباط سُجلت وفاة امرأة يابانية تبلغ ثمانين عاماً في محافظة كاناغاوا بالقرب من طوكيو! كان الخبر كالصاعقة على مسامع العاصمة بسبب مخاوف من تأجيل ألعاب طوكيو الأولمبية أو إلغائها.
تفاقم الوضع أكثر مع أزمة سفينة “الأميرة الألماسية” السياحية الفاخرة التي حُجرت قبالة سواحل مدينة يوكوهاما بالقرب من طوكيو، وفي الـ27 من فبراير/شباط طلب رئيس الوزراء الياباني إغلاق المدارس حتى بداية مارس/آذار لكبح التفشي.

بدأ القلق بالتدفق، الخوف بالتراكم والأسئلة بالتكاثر، حيث تجنب مسؤولو اللجنة الأولمبية الدولية واللجنة الأولمبية اليابانية الإجابة عن أسئلة الصحفيين بعد تسجيل عدة حالات في اليابان. وأجاب رئيس اللجنة المنظمة للألعاب في اليابان “يوشيرو موري” عن أسئلة أحد الصحفيين بشكلٍ غير معتاد عندما سأله عن مصير الألعاب، وقال آنذاك: “لست إلهاً لذا لا أعرف”.
أثار ارتفاع عدد الإصابات مخاوف الشركات ورعاة الألعاب الأولمبية، الذين أنفقوا مبالغاً طائلة تقدر بنحو 3 مليار دولار للتحضير للألعاب الأولمبية والبارلمبية. وكانوا يطالبون بصمت وبعيداً عن الإعلام، بتفسيرات للأوضاع الراهنة، متسائلين عما سيحل بأموالهم التي وضعت في الأولمبياد.
وقال مسؤول لدى راعي ياباني للألعاب من الدرجة الأولى لوكالة رويترز: “يبدو كما لو أن القرارات تتخذ في صندوق أسود”، مشيراً إلى أن الوضع غامض والقرارت ليست مرضيةً للرعاة الرسميين للألعاب الأولمبية. ولكن لن تكون الشركات التي ستحدد مصير الألعاب، بل أمرٌ غفل عنه المسؤولون في اليابان واللجنة الأولمبية الدولية.
قصة مرتبطة: مساجد متنقلة | هكذا ستساعد اليابان المسلمين على الصلاة خلال أولمبياد 2020
بداية العاصفة وسقوط أحجار الدومينو
تعاظمت معاناة وحيرة طوكيو، حيث كانت العاصمة تسير باتجاهٍ غامض من ناحية الألعاب الأولمبية، وتعاظم أيضاً الشعور بأن الألعاب الأولمبية لن تُعقد في وقتها المحدد بسبب ما حدث. وفي الـ16 من مارس/آذار عقد رئيس الوزراء شينزو آبيه اتصالاً بالفيديو مع رؤساء الدول السبع الكبرى (G7)، من أجل التحدث بخصوص جائحة كورونا ومصير الأولمبياد.
أنهى آبيه الاجتماع حاصلاً على مساندة من زعماء الدول السبع الكبرى في سعيه لتأجيل الألعاب دون إلغاء. وقبيل قرار طوكيو الكبير، تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تأجيل الألعاب الأولمبية مشيراً إلى أنه من المحتمل تأجيل ألعاب طوكيو الأولمبية لعامٍ واحد وفق ما أفادته عدة وكالات عالمية.
وبعد يومين من انتهاء مكالمة آبيه برؤساء الدول السبع الكبرى، أخذت الأمور منحاً جدياً جديداً، بعد الكشف عن إصابة نائب رئيس اللجنة الأولمبية اليابانية “كوزو تاشيما” بفيروس كورونا الجديد! وكان “تاشيما” يرأس اتحاد كرة القدم في اليابان وكان قد عقد اجتماعاً مع رئيس اللجنة المنظمة للألعاب الأولمبية قبلها بأسبوع واحد فقط!
وبسبب هذه الواقعة بالتحديد، أصبح كل شيء جلياً في أذهان اللجنة المنظمة، ألعاب طوكيو الأولمبية ستؤجل أو تُلغى! وتضخمت أبعاد هذا الشعور أكثر بعدما سُجلت أكثر من 20 ألف حالة وفاة حول العالم وكانت قد تضاعفت في عدة أيام بشكلٍ غير متوقع خلال سريان الأحداث خلف الكواليس في اليابان.

وتفاقمت الأمور أيضاً في نظر طوكيو ولوزان، سويسرا (مقر اللجنة الأولمبية الدولية) بعدما أغلقت العديد من الدول الأوروبية حدودها، و وضعت مواطنيها تحت الحجر الصحي، وهو الأمر الذي شكلَ مشكلةً كبيرة بسبب عدم تمكن الرياضيين الأولمبيين من التدرب أو التحضير للمنافسات.
وكانت القشة الأخيرة هي مقاطعة كندا وأستراليا للألعاب الأولمبية في اليابان، بسبب تفشي الفيروس في تلك البلدان، إغلاق الحدود وصعوبة إرسال الرياضيين الأولمبيين في الوقت المناسب. وقال العضو الكندي في اللجنة الأولمبية الدولية “ديك باوند” لوكالة رويترز آنذاك، بأن طوكيو لم تكن مستعدةً لاتخاذ القرار حتى رأت “الزيادة اللوغاريتمية” في عدد الحالات في الولايات المتحدة وأماكن أخرى والتي تتناقض مع الظروف المستقرة نسبياً في الصين واليابان.
وقال “ديك باوند” أيضاً: “أعتقد أنهم أدركوا في النهاية (يقصد اللجنة المنظمة للألعاب في اليابان) أنه حتى لو كانت اليابان تحت السيطرة (من ناحية التفشي) فإن بقية العالم لم يكن كذلك”. حيث أصبح من الواضح الآن، أن تسلسل هذه الأحداث وتأثيرها على قرار طوكيو النهائي كان أشبه بتسلسل سقوط أحجار الدومينو واحدةً تلو الأخرى حتى القشة الأخيرة، والتي قادت بدورها إلى تأجيل ألعاب طوكيو الأولمبية والبارلمبية الصيفية.
توقعات اقتصادية تحيط بتأجيل أو إلغاء الأولمبياد قبيل القرار الكبير: ما الذي سيحدث لاقتصاد اليابان في حال إلغاء الألعاب الأولمبية بسبب تفشي كورونا؟
نهاية المعاناة وبزوغ الفجر
كانت آمال طوكيو لعقد الألعاب الأولمبية في موعدها تتبخر بسرعة شديدة، واشتدت الضغوطات من كل مكان على الحكومة اليابانية لاتخاذ قرارٍ نهائي بخصوص الألعاب الأولمبية قبيل شهر أبريل/نيسان.
وبعد منتصف شهر مارس/آذار 2020 وصلت الشعلة الأولمبية إلى اليابان رسمياً، لتبدأ جولتها المزمع عقدها آنذاك في الـ26 من مارس/آذار 2020، حول محافظات اليابان الـ47، ابتداءً من فوكوشيما التي عانت من كارثة نووية خطيرة وتعافت تدريجياً.
ولكن البلاد لم تتمكن من عقد جولة الشعلة الأولمبية بشكلٍ كامل بسبب تفشي فيروس كورونا الجديد في اليابان وحول العالم، ولم تتمكن من إلغائها ببساطة بسبب العواقب المترتبة على الأمر. وقال مسؤول كبير في اللجنة الأولمبية المنظمة في اليابان لوكالة رويترز: “كان علينا أن نستمر في الاستعداد لتتابع الشعلة لأنه إذا قمنا بإلغائها، فسيكون من الواضح أننا ننوي تأجيل الألعاب الأولمبية”.
ثم جاء اليوم الموعود، الثلاثاء (24 مارس/آذار)، اصطفت السيارات السوداء واحدةٌ تلو الأخرى في مقر إقامة رئيس الوزراء الياباني في طوكيو. وخلف الأبواب الموصدة، كانت هناك صفقةٌ جارية.

حيث عقد مسؤولون في اللجنة الأولمبية اليابانية اتصالاً هاتفياً بتنفيذيين باللجنة الأولمبية الدولية أبرزهم “جون كوتيس”. ونقلت رغبات آبيه لـ”جون كوتيس” حول نية تأجيل ألعاب طوكيو الأولمبية لمدة عام واحد كأقصى تقدير، وكان جانب اللجنة الأولمبية الدولية يرغب بنفس الأمر مما سهل الصفقة التي جرت بسرعة.
وبعد فترة وجيزة، أبرم شينزو آبيه وتوماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية اتفاقاً يقتضي بتأجيل ألعاب طوكيو الأولمبية إلى صيف 2021، وهي أول مرة تؤجل فيها الألعاب في التاريخ. حيث ألغيت الألعاب في الماضي ثلاث مراتٍ فقط، خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.
توقفت الساعة الأولمبية التي تعد تنازلياً لموعد انطلاق الألعاب في اليابان، وأصبحت تُظهر الوقت والتاريخ فقط، كباقي الساعات في العالم. وفي الـ30 من مارس/آذار، حُددت مواعيد جديدة للألعاب الأولمبية التي ستقام في عام 2021.
حيث من المزمع عقد ألعاب طوكيو الأولمبية 2021، من 23 يوليو/تموز وحتى 8 أغسطس/آب. ومن المزمع عقد ألعاب طوكيو البارلمبية 2021، من 24 أغسطس/آب وحتى 5 سبتمبر/أيلول.

مراجع ومصادر استخدمت في هذا المقال: وكالة كيودو اليابانية – هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية – اللجنة المنظمة لألعاب طوكيو الأولمبية والبارلمبية – مكتب رئيس الوزراء الياباني – صحيفة “Japan Times” اليابانية – اللجنة الأولمبية الدولية – اللجنة الأولمبية اليابانية – مقال لوكالة رويترز نُشر في الـ27 من مارس/آذار (باللغة الإنجليزية) – وكالات
صورة المقال الأصلية: رئيس الوزراء الياباني شينزو آبيه يمسح وجهه خلال مؤتمر صحفي في طوكيو (صورة مُعدلة تعبيرية)
تم قراءة المقال
قرار التأجيل صادم لكنه حكيم لعدم وجود خيارات غير الإلغاء فكان اختيار أهون الضررين
قرار اللجنه الأولمبية صحيح ورائى يتفق مع ما توصلت إليه اللجنه وهو التأجيل وهذا القرار يعطى لمحه امل فى أن الأمور بآذن الله ستكون على ما يرام
قرار صائب و جاد لأن حياة الانسان و المحافظة عليها
أولى من إجراء هذه التظاهرة الرياضية في آجالها
المحددة.
قرار التأجيل سيصب في المصلحة العامة للجميع
اطلعت على المقال
كل تأخيرة فيها خيرة
التأجيل أفضل من إلغائه.
>قرأت كل مقال يومي يصلني عبر تطبيق فيسبوك مسنجر هذا الشهر<
شيئ مؤسف جدا ، فيروس حرمنا من متعة الأولمبياد من متعة دوري الأبطال
أحببت طريقة سرد المقال وكأنه رواية
لاشك ان قرار تاجيل الالعاب الاولمبية كان بمثابة الصدمة للعالم ولليابانيين بشكل خاص … حيث عملوا لسنوات وانفقوا وانتظروا لحظات الافتتاح الا ان الظروف كانت غير مواتية لليابان ولجميع الدول التي كانت ستشارك في الالعاب .
نتمنى ان ياتي الموعد الجديد وقد عم السلام والصحة ربوع العالم .
مساكين :”((
قرار التأجيل يبقى افضل من الالغاء
اليابان تتحدى كل الأزمات والدليل أزمة كورونا
تاجيل الالعاب الاولمبياد بسبب فيروس كورونا الى تاريخ اخر بعد تفشي الوباء في العالم اجمع وارتفاع عدد المصابين به
اليابان استضافت الاولمبياد وكان جميل و تم الانتهاء من كورونا الحمد لله
ان الاسباب قاهرة يمكن تفهم التاجيل