نستعرض لكم في هذا المقال العلاقات بين اليابان وفلسطين، بداية من إنشاء الحركة الصهيونية وحتى الوقت الحاضر، مروراً بالأحداث المختلفة على مر العقود.
بداية القرن العشرين (1902 – 1932)
كان للتحالف البريطاني الياباني تأثيرًا على القضية الفلسطينية في نظر اليابان. حيث أيدت اليابان فكرة إقامة وطن قومي لليهود بعد فترة وجيزة من وعد بلفور البريطاني 1917 ،كما دعمت الانتداب البريطاني على عصبة الأمم، ما ساعد على بداية هجرة اليهود.
ما بعد الحرب العالمية الثانية
كانت مصالح اليابان في الشرق الأوسط يغلب عليها الطابع الاقتصادي. ولكن تحالفها مع الولايات المتحدة أضاف إليها اعتبارًا سياسيًا. حيث قاد ذلك إلى اعتراف اليابان بدولة إسرائيل عام 1952
وعلى الرغم من ذلك، وطدت اليابان علاقاتها السياسية مع جيرانها في المؤتمر الآسيوي الأفريقي الذي عقد بإندونيسيا عام 1955. حيث نص على دعمه لحقوق الفلسطينيين وتحقيق التسوية السلمية للقضية الفلسطينية.
فترة السبعينات 1970
أعلن كبير أمناء مجلس الوزراء في بيان نيكايدو 1973 عن السياسة الرسمية الجديدة التي تخص الصراع العربي الإسرائيلي حيث أيد حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. كما نص على عدم جواز الاستيلاء على أي أرض واحتلالها بالقوة. بجانب أنه حذر إسرائيل من أن اليابان قد تعيد النظر في سياستها إن لم تنسحب من جميع الأراضي المحتلة.
كما قامت اليابان بالتصويت لصالح منظمة التحرير الفلسطينية عام 1974 وساهمت في الدعم المالي للأونروا بداية من العام ذاته. بالإضافة إلى افتتاح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في طوكيو عام 1977. إلا أن اليابان لم تعترف به اليابان كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
فترة الثمانينات 1980
في عام 1981، قام الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بزيارته الأولى إلى اليابان، حيث قال أحد الكبار أن هذه مساهمة في حل هذه المشكلة العالمية، وتلقى الأمر اعتراضًا أمريكيًا نظرًا لأن ذلك لن يعزز عملية السلام في الشرق الأوسط و سيضر بصورة اليابان في الولايات المتحدة. وبرغم أن هذه الرحلة تعتبر انتصارًا لمنظمة التحرير الفلسطينية، إلا أن اليابان لم تعترف بالزيارة والمنظمة بشكل رسمي.
وفي منتصف إلى أواخر الثمانينات، انتقلت اليابان إلى موقف أكثر حيادية في الصراع العربي الإسرائيلي ردًا على مطالب الحكومة الأمريكية في عهد رونالد ريغان في بناء علاقات مع إسرائيل
وفي عام 1989، جاءت زيارة عرفات الثانية إلى اليابان بعد دعوة رسمية من الحكومة، وأعقب زيارته زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه آرنز.
التسعينيات 1990
شهدت هذه الفترة دبلوماسية يابانية متعددة الأطراف. حيث دعت اليابان الدول العربية إلى إنهاء مقاطعة إسرائيل. وفي الوقت ذاته أصبحت اليابان ثاني أكبر مانح لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عام 1994، وفي بداية هذا العام لعبت وكالة التعاون الدولي اليابانية (JICA) دورًا هامًا في تقديم المساعدات للسلطة الفلسطينية.
وفي زيارة ياسر عرفات لليابان، أكدت اليابان دعمها المستمر لحقوق الفلسطينيين، بما في ذلك حقهم في إقامة دولة مستقلة. كما افتتحت اليابان مكتبًا تمثيليًا في قطاع غزة للتفاعل مباشرة مع السلطة الفلسطينية عام 1998. وتكررت الزيارة في 1999 حيث أكدت اليابان التزامها بحقوق الفلسطينيين والحل السلمي من خلال الحوار
عهد الألفية الجديدة مع عام 2000
أجرى عرفات محادثات مع كبار الوزراء في 2000. حيث أكدت اليابان موقفها بأن المفاوضات هي الوسيلة الوحيدة نحو السلام. وأنها “صديقة للفلسطينيين وتدعم حقهم في تقرير المصير”. يجدر بالذكر أن شمعون بيريز قام بزيارة لليابان قبل يومين فقط من زيارة عرفات.
وقد أدانت اليابان الانتفاضة والهجمات الانتحارية 2003. حيث أعلنت أن “الإرهاب لا يمكن تبريره لأي سبب. وأن “محاربة العنف من قبل المتطرفين الفلسطينيين ضرورية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط” وفقاً لما ورد بالبيانات الرسمية.
وفي العام نفسه، نظمت اليابان اجتماعات غير رسمية تحت عنوان “مؤتمر بناء الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين”. شارك كبار المسؤولين السابقين من فلسطين وإسرائيل، وساهم المؤتمر في مبادرة جنيف المعروفة. كما أدانت اليابان ممارسة إسرائيل للاغتيالات التي قامت بها، ووصفت اغتيال زعيم حماس الدكتور عبد العزيز الرنتيسي بأنه “غير مدروس ولا يمكن تبريره”.
وفي مايو 2005، قام رئيس السلطة الفلسطينية الحالي محمود عباس، بزيارة لليابان. حيث أعرب عن استعداده للمشاركة في اجتماع ثلاثي إذا تم عقده بين الفلسطينيين والإسرائيليين واليابانيين.
و استجابةً لإعلان اتفاقات مكة، أعلنت اليابان دعمها لتشكيل حكومة وحدة بين فتح وحماس، بهدف إنهاء الصعوبات السياسية في الأراضي الفلسطينية، وستواصل اليابان متابعة التطورات عن كثب.
وفي مؤتمر صحفي2009، أكد وزير الشؤون الخارجية هيروفومي ناكاسوني سياسته الثابتة في عدم التواصل مع حماس. موضحًا أن “حماس لا تعترف بإسرائيل وتلجأ إلى العنف”. إجراء مفاوضات مع حماس يعطي لهم نوعًا من الشرعية، مما يقوض أسس الرئيس عباس والجهود المبذولة نحو إقامة “دولة فلسطينية”. لذلك في الوقت الحالي، ليس لدينا أي نية للتواصل مع حماس. كما ذكرت للتو، أود أن نواصل مساعدة إعادة إعمار غزة من خلال المؤتمرات الدولية” وفقاً لما ورد بالنص الرسمي بالبيان.
الزيارة الثانية عام 2010
كانت زيارة عباس الثانية إلى اليابان منذ توليه رئاسة السلطة الفلسطينية عام 2010 ، وفي 2012 كانت زيارته الثالثة إليها.
وفي العام نفسه صوتت اليابان لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بقبول فلسطين كدولة غير عضو ،وفي تفسير تصويتها، ذكرت اليابان أن “فلسطين ستتحمل الآن مسؤولية أكبر تجاه المجتمع الدولي”.
وفي فبراير 2013، استضافت اليابان أول اجتماع وزاري لمؤتمر “التعاون بين دول شرق آسيا لتنمية فلسطين” (CEAPAD). كان المؤتمر فرصة لتحسين إدارة مساعدات الدول المشاركة لفلسطين.
وفي 2014، أُقيم المؤتمر نفسه للمرة الثانية (CEAPAD II) في جاكرتا بإندونيسيا، حيث أعلن وزير خارجية اليابان كيشيدا أن اليابان ستقدم 200 مليون دولار أمريكي كمساعدة للفلسطينيين.
وفي مايو من نفس العام قاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مهمة دبلوماسية لمدة خمسة أيام في اليابان. كانت الزيارة تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والدفاعية بين البلدين.
في يناير 2015، أعادت اليابان تأكيد دعمها لمبادرة السلام العربية (API)، كما قام رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبيه بزيارة فلسطين وإسرائيل والتقى بالرئيس محمود عباس.
السعي إلى التوازن بالعلاقات
لقاء رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي مع محمود عباس
أعلن آبيه حينها أن اليابان ستقدم 100 مليون دولار أمريكي كمساعدة جديدة للأغراض الإنسانية وإعادة إعمار غزة.
كانت هذه أول زيارة لرئيس وزراء ياباني إلى إسرائيل منذ تسع سنوات. في حديثه مع نتنياهو، رحب آبيه بـ “خطة تعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون مع اليابان”، وقد أعربت اليابان للمرة الأولى تفاصيل عن رؤيتها لحل مسائل الوضع الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين. تشمل هذه المسائل ما يأتي:
– المستوطنات: حيث أكدت أن أنشطة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، تتعارض مع القانون الدولي ويجب تجميدها فورًا وبالكامل.
– استقلالية الدولة الفلسطينية: تحث اليابان فلسطين على بذل مزيد من الجهد لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، مع حثها فلسطين على اتخاذ موقف محدد ضد أي إجراءات أحادية دون مفاوضات،
كما يجب تحديد إطار حل ثنائي من خلال المفاوضات. بحيث يتم تحقيق التعايش السلمي لدولة فلسطينية قابلة للبقاء وإسرائيل بحدود آمنة ومعترف بها. كما يجب حل الوضع النهائي للقدس استنادًا إلى افتراض أنها ستكون عاصمة الجانبين في المستقبل ،وقد أكدت اليابان انها لن تعترف بأي محاولة تسبق الوضع النهائي لها.
لقاء رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي مع نتنياهو
وفي 2016 صوتت اليابان، إلى جانب 13 دولة أخرى مع قرار مجلس الأمن الذي طالب إسرائيل بالوقف الفوري والكامل عن اطلاق النار.
وفي 2017، ردا على قرار إدارة ترامب في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، صوتت 128 دولة عضو في الأمم المتحدة لصالح القرار الذي أعلن أن قرار ترامب بشأن القدس “لاغ وباطل”. وجاء الدعم الساحق للقرار على الرغم من تهديدات الولايات المتحدة بقطع التمويل، وقد صوتت اليابان لصالح ذلك القرار.
وفي 2018، عقد المؤتمر الثالث للتعاون بين دول شرق آسيا من أجل التنمية الفلسطينية (CEAPAD) في بانكوك. وأشار وزير الخارجية الياباني تارو كونو إلى أن اليابان “نفذت مساعدات بنحو 2 مليار دولار لفلسطين منذ عام 1993″، ثم عُقد المؤتمر نفسه للمرة الرابعة في يوليو 2019 لأول مرة في فلسطين. واشتركت في استضافته فلسطين واليابان.
عام 2020 وما بعده
في عام 2021 أعربت اليابان عن قلقها إزاء موافقة الحكومة الإسرائيلية على خطط لبناء حوالي 800 وحدة سكنية في المستوطنات في الضفة الغربية. كما أعربت اليابان عن قلقها إزاء “الإخلاء” المحتمل للعائلات الفلسطينية وخطط الاستيطان الإسرائيلية، وذكرت أن “الحكم المحتمل بإخلاء العائلات الفلسطينية من منازلها في القدس الشرقية، بما في ذلك حي الشيخ جراح، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الوضع.
ختاماً، يمكن القول بشكل عام، أن اليابان تدعم الحل المتوازن بحل الدولتين. بحيث يمكن أن تعيش فلسطين وإسرائيل بشكل مستقل في أمن وسلام. بجانب أنها تدعم إقامة حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وقدمت له مساعدات إنسانية تجاوزت 2.3 مليار دولار أمريكي منذ 1993 بالإضافة إلى تقوية العلاقات الودية عن طريق زيارات كبار الشخصيات المتكررة. وهذا ما تسعى اليابان لأجله من خلال سياساتها الخارجية.
إعداد و تقديم جنة الجندي لمزيد من المحتوى المقدم من الكاتبة، بالإمكان متابعة صفحتها الخاصة عبر فيسبوك.
المصادر:
1-المركز الفلسيطيني للبحوث السياسية والمسحية
2-وزارة الخارجية اليابانية
خلال زيارة البروفيسور حبيب البدوي إلى جامعة واسيدا تشرفت بلقائه وحضور ندوته القيمة التي أرى ضرورة مشاركتكم بها، وهو المعروف بأنه رائد الدراسات اليابانية في العالم العربي:
Badawi, H. (2023). Bridging Perspectives: China and Japan’s Approaches to the Israel-Palestine Conflict [Lecture]. Majlis, The Chair of the State of Qatar in Islamic Area Studies. Waseda University, Tokyo. http://dspa.ul.edu.lb/static/uploads/files/etudes-hayaa-taalimiya/habib-badawi/h-b-28-11-2023.pdf